للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثم تنحى.

وأقبل عمرو فقام مقامه، فحمد الله وأثنى عليه وقَالَ: إن هذا قد قَالَ ما سمعتم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي [معاوية] [١] ، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقَالَ له أبو مُوسَى: مالك، لا وفقك الله، غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. قَالَ عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.

وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط، وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم. فالتمس أهل الشام أبا مُوسَى فركب راحلته ولحق بمكة. وكان يقول: اطمأننت إلى عمرو وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصح الأمة، ولقد حذرنيه ابن عباس.

وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية وسلموا عليه بالخلافة وقام معاوية عشية فِي النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أما بعد، من كان متكلما فِي هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، قَالَ ابن عمر: فأطلعت حويتي فأردت أن أقول:

يتكلم فيه رجال قاتلوك وأباك على الإسلام، ثم خشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجماعة ويسفك فيها دم وأحمل فيها على غير رأيي، وذكرت ما وعد الله فِي الجنان فأمسكت.

قَالَ عمرو بن العاص: بلغني أن عتبة بن أبي سفيان قَالَ لعبد الله بن عباس: ما منع عليّا أن يبعثك مكان أبي مُوسَى، فقَالَ عَبْد اللَّهِ: منعه والله من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحنة الابتلاء، أما والله لو بعثني لاعترضت فِي مدارج نفس عمرو ناقضا ما أبرم ومبرما لما نقض، أسف إذا طار وأطير إذا أسف، ولكن مضى قدر وبقي أسف، والآخرة خير لأمير المؤمنين.

وقَالَ خريم بن فاتك الأسدي هذه الأبيات:

لو كان للقوم رأي يرشدون به ... أهل العراق رموكم بابن عباس

٥١/ أ/ للَّه در أبيه أيما رجل ... ما مثله لفصال الأمر للناس


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>