للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغني أن كثير عزة لقي جميلا [١] ، فقال له: متى عهدك ببثينة؟ قال: ما لي بها عهد منذ عام أول وهي تغسل ثوبا بوادي الدوم، فقال كثير: أتحب أن أعدها لك الليلة؟

قال: نعم، فأقبل راجعا إلى بثينة، فقال له أبوها: يا فلان ما ردك؟ أما كنت عندنا قبيل؟

قال: بلى، ولكن حضرت أبيات قلتها في عزة، قال: وما هي؟ فقال:

فقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... على باب داري والرسول موكل

أما تذكرين العهد يوم لقيتكم ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

فقالت بثينة: اخسأ، فقال أبوها: ما هاجك، قالت: كلب لا يزال يأتينا من وراء هذا الجبل بالليل وأنصاف النهار.

قال: فرجع إليه فقال: قد وعدتك وراء هذا الجبل بالليل وأنصاف النهار، فالقها إذا شئت.

وحكى أبو محمد بن قتيبة عن بعض الناس أنه قال: خرجت من تيماء فرأيت عجوزا على أتان، فقلت: ممن أنت؟ فقالت: من عذرة، قلت: هل تروين عن بثينة وجميل شيئا؟ فقالت: والله/ إني لعلى ماء من الجناب [٢] وقد اعتزلنا الطريق وقد خرج رجالنا في سفر وخلفوا عندنا غلمانا أحداثا، وقد انحدرا لغلمان عشية إلى صرم [٣] قريب منا يتحدثون إلى جوار منهم، وقد بقيت أنا وبثينة نستبرم غزلا لنا إذ انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا، فسلم ونحن مستوحشون، فرددت السلام ونظرت فإذا رجل واقف شبهته بجميل، ودنا فأتيته فقلت: جميل، قال: أي والله، قلت: عرضتنا ونفسك للشر، فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التي من ورائك، وأشار إلى بثينة، فإذا هو لا يتماسك، فقمت إلى قعب فيه أقط مطحون وتمر، وإلى عكة فيها سمن فعصرته على الأقط وأدنيته منه، فقلت: أصب من هذا، ففعل وقمت إلى سقاء فيه لبن، فصببت له في قدح، وشننت [٤] عليه من الماء فشرب وتراجع، فقلت: لقد جهدت فما أمرك؟ قال: أردت


[١] في الأصل: «أن كثير لقي عزة جميلا» .
[٢] الجناب: موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى.
[٣] الصرم: الجماعة المنعزلة.
[٤] في الأصل: «وسيبت» . وما أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>