للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصر فجئت لأودعكم وأحدث بكم عهدا، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث أنتظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم [١] العشية، فجئت لأجدد بكم العهد [٢] فحدثنا ساعة ثم ودعناه وانطلق. فما لبثنا إلا يسيرا حتى أتانا نعيه من مصر.

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي بإسناد له عَنْ أبي بكر بْن الأنباري، قَالَ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المرزبان، قال: حدثنا أَبُو بكر العامري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن محمد وهو المدائني، قال: حدثني أبو عبد الرحمن العجلاني، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، قال:

كنت بالشام فقال لي قائل: هل لك في جميل فإنه لما به، فدخلت عليه وهو يجود بنفسه وما يخيل لي أن الموت يكتربه، فقال لي: يا ابن سعد، ما تقول في رجل لم يسفك دما حراما قط، ولم يشرب خمرا قط، ولم يزن قط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله منذ خمسين سنة، قلت: من هذا؟ ما أحسبه إلا ناجيا، قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً ٤: ٣١ [٣] فلعلك تعني نفسك، قال: نعم، قلت: كيف وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة، قال: هذا آخر وقت من أوقات الدنيا، وأول وقت من أوقات الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، وإن كان أكثر ما نلت منها إلا أني كنت آخذ يدها فأضعها على قلبي فأستريح إليها [٤] . ثم أغمي عَلَيْهِ وأفاق فأنشأ يقول:

صرح النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول

ولقد أجر الذيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل

قومي بثينة فاندبي بعويل ... وأبكي خليلك قبل كل خليل

ثم أغمي عليه فمات.


[١] في ت: «صبيانكم» .
[٢] في ت: «لأجدد بكم عهدا» .
[٣] سورة: النساء، الآية: ٣١.
[٤] في الأصل: «فأسترح إليها» ، وما أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>