للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمر الليالي والشهور ولا أرى ... ولوعي بها يزداد إلا تماديا

واشتهر أمر قيس بالمدينة، وغنى بشعره الغريض ومالك ومعبد وغيرهم، / ولم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك وحزن له، وجاء زوج لبنى فعاتبها فقال: فضحني بذكرك، فقالت: والله ما تزوجتك إلا بعد أن أهدر دمه، ولا حاجة لي فيك. وكان بالمدينة دار ضيافة لرجل من قريش وله زوجة يقال لها بريكة، فدخل الدار قيس في جنونه، فقال: أين بريكة؟ فلقيها، فقال لها: حاجتي نظرة إلى لبنى، فقالت: لك ذلك، فنزل فأقام عندهم وأهدى لها هدايا كثيرة، وقال لاطفيهم حتى يأنسوا بك، ففعلت وزارتهم مرارا وقالت لزوج لبنى: أخبرني أنت خير من زوجي، قال: لا، قالت: فلبنى خير مني، قال: لا، قالت: فما لي أزورها ولا تزورني، قال: ذاك إليها، فأتتها وسألتها الزيارة، وأعلمتها أن قيسا عندها فأسرعت إليها فبكيا حتى كادا يتلفان، ثم قالت له:

أنشدني ما قلت في علتك، فقال:

أعالج من نفسي بقايا حشاشة ... على ظمأ [١] والعائدات تعود

فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها ... كما هش للثدي الدرور وليد

ورحل قيس إلى معاوية، فدخل على ابنه يزيد فامتدحه وشكى ما به، فقال: إن شئت أن أحتم على زوجها أن يطلقها، قال: لا بل أحب أن أقيم حيث تقيم وأعرف أخبارها من غير أن يهدر دمي، فأجابه، وغير ما كان كتب في إهدار دمه.

وقد اختلفوا في آخر أمر قيس [٢] . فروى قوم أن لبنى ماتت فخرج قيس في جماعة من قومه، فوقف على قبرها، فقال:

ماتت لبينى فموتها موتي ... هل تنفعن حسرتي على الفوت

وسوف أبكي بكاء مكتئب ... قضى حياة وجدا على ميت

ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمي عليه، فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل، فلم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب مكلما ثلاثا، ثم مات فدفن إلى جنبها.


[١] في الأغاني: «على رمق» .
[٢] الأغاني ٩/ ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>