للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث فلا يعرفه. فحدثه مرة بعض أهله بحديث [١] ثم سأله عنه في غداة غد فلم يعرفه، فقال: إنك لمجنون، فقال:

إني لأجلس في النادي أحدثهم ... فأستفيق وقد غالتني الغول

يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم ... حتى يقول جليسي أنت مخبول

قال أبو عبيدة: فتزايد الأمر به حتى فقد عقله، فكان لا يقر في موضع، ولا يأويه رحل ولا يعلوه ثوب إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئا مما يكام به إلا أن تذكر له ليلى، فإذا ذكرت أتى بالبداية، فيرجع عقله.

و [قد] [٢] روينا أن قوم ليلى شكوا منه إلى السلطان فأهدر دمه، فقال: الموت أروح لي، فعلموا أنه لا يزال يطلب غرتهم [٣] ، فرحلوا، فجاء فأشرف فرأى ديارهم بلاقع [٤] ، فقصد منزل ليلى فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه، ويقول:

أيا حرجات الحي حيث تحملوا ... بذي سلم لا جادكن ربيع

وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع

ندمت على ما كان مني ندامة ... كما يندم المغبون حين يبيع

وقال بعض مشايخ بني عامر [٥] : إن المجنون لقي ليلى وقومها قد رحلوا، فغشي عليه، فأقبل فتيان الحي فمسحوا وجهه وأسندوه إلى صدورهم، وسألوا ليلى أن تقف له، فقالت: لا يجوز أن أفتضح، ولكن يا فلانة- لأمة لها- اذهبي إليه وقولي له: ليلى تقرأ عليك السلام، وتقول لك أعزز علي بما أنت فيه، ولو وجدت سبيلا إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي، فمضت فأخبرته، فقال: أبلغيها السلام وقولي لها: إن دائي/ ودوائي أنت، وقد وكلت بي شقاء طويلا وبكى [٦] ، وأنشأ يقول:


[١] في ت: «فيحدثه عن بعض أهله بحديث» .
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت. وهذا الخبر في الأغاني ٢/ ٢٦.
[٣] غرتهم: غفلتهم.
[٤] أي: خالية.
[٥] الخبر في الأغاني ٢/ ٥٩.
[٦] في الله انتهى الخبر دون ذكر البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>