للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت له داية يأنس بها، وكانت تخرج إلى الصحراء فتحمل له رغيفا وماء، فربما أكله وربما تركه، حتى جاءت يوما وهو ملقى بين الأحجار ميتا، فاحتملوه/ إلى الحي، فغسلوه ودفنوه، ولم يبق في بني جعدة ولا في بني الحريش امرأة إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه، واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أشد بكاء، وينشجون أشد نشيج [١] ، وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم، وكان أشد القوم جزعا وبكاء عليه، وجعل يقول: ما علمت أن الأمر يبلغ كل هذا، ولكني امرؤ عربي أخاف من العار، وقبح الأحدوثة، فزوجتها وخرجت عن يدي، ولو علمت [٢] أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده، فما رئي يوما كان أكثر باكيا منه.

وبينما هم يقلبونه وجدوا خرقة فيها مكتوب:

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى ... شقيت ولا هنيت من عيشك الخفضا

شقيت كما أشقيتني وتركتني ... أهيم مع الهلاك لا أطعم الغمضا

كأن فؤادي في مخاليب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضا

كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... علي فما تزداد طولا ولا عرضا

ومن أشعاره الرائقة قوله [٣] :

وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان منك فإنه شغلي [٤]

وأديم لحظ محدثي ليرى ... أن [٥] قد فهمت وعندكم عقلي

وقوله [٦] :

عجبت لعروة العذري أمسى ... أحاديثا لقوم بعد قوم


[١] في الأصل: «ينشجون أشد تشنج» وما أوردناه من الله والأغاني.
[٢] في ت: «ولو كان» .
[٣] الأغاني: ٢/ ٦٥.
[٤] في الأصول: «فأنتم شغلي» وما أوردناه من ت.
[٥] في الأصول: «وأديم نحو محدثي نظري إن قد» . وما أوردناه من الأغاني.
[٦] الأغاني ٢/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>