للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

/ قال: فجاءت صاعقة فأحرقتهم، فامتنع الناس من الرمي فخطبهم الحجاج فقال: ألم تعلموا أن بني إسرائيل كانوا إذا قربوا قربانا فجاءت نار فأكلته [١] علموا أنه قد تقبل منهم، وإن لم تأكله [٢] قالوا لم تقبل، فما زال يخدعهم حتى عادوا فرموا.

قال علماء السير [٣] : فلم تزل الحرب إلى قبيل مقتل ابن الزبير، فتفرق عامة أصحابه وخذلوه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان حتى ذكر [أن] [٤] ولديه حمزة وحبيب أخذوا لأنفسهما أمانا، فدخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء حين رأى من الناس ما رأى من الخذلان، فقال لها: خذلتني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، وقد قتل عليك أصحابك، ولا تمكن من رقبتك فينقلب [٥] بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك. وإن قلت: كنت على الحق فلما وهن أصحابك ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل [القتل] أحسن.

فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب للَّه عز وجل أن تستحل حرمته، ولكنني أحببت أن أعلم رأيك في مثل ذلك، فانظري يا أمي فإني مقتول في يومي [٦] هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي الأمر للَّه، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عمدا بفاحشة، ولم يجر في حكم الله عز وجل، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا


[١] في الأصل: «فأكلتها» ، وما أوردناه من ت.
[٢] في الأصل: «تأكلها» ، وما أوردناه من ت.
[٣] تاريخ الطبري ٦/ ١٨٨.
[٤] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أضفناها لاستقامة المعنى.
[٥] في ت، والطبري. «فيتلعب» .
[٦] في الطبري: «مقتول من يومي هذا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>