قال: أخبرنا أبو بكر الأنباري، قَالَ: حَدَّثَني أبي، قَالَ: حدثنا أحمد بن عبيد الله، قال:
حدثنا محمد بن يزيد بن ريان الكلبي، عن عبد الملك بن عمير، قال:
لما اشتدت شوكة أهل العراق وطال وثوبهم بالولاة يحصبونهم ويقصرون بهم أمر عبد الملك، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطبهم ثم قال: أيها الناس، إن العراق قد علا لهيبها، وسطع وميضها، وعظم الخطب فيها، فجمرها ذكي وشهابها وري [١] ، فهل من رجل ينتدب لهم ذي سلاح عتيد، وقلب شديد، فيخمد نيرانها، ويبيد شبانها، فسكت الناس، فوثب الحجاج بن يوسف، وقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال: ومن أنت؟ قال: الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعظيم القريتين، قال له: اجلس فلست هناك، ثم/ أطرق عبد الملك مليا، ثم رفع رأسه، وقال: من للعراق؟ فسكت الناس، فوثب الحجاج وقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال: ومن أين أنت؟ قال: من قوم رغبت في مناكحتهم قريش ولم يقيت منهم، وإعادة الكلام مما ينسب صاحبه إلى العي، ولولا ذلك لأعدت الكلام الأول، فقال له: اجلس فلست هناك. ثم أطرق عبد الملك مليا ورفع رأسه وقال: من لأهل العراق؟ فسكت الناس، فقال: ما لي أرى الليوث قد أطرقت، ولا أرى أسدا يزأر نحو فريسته، فسكت الناس، فوثب الحجاج فقال: أنا للعراق، يا أمير المؤمنين، قال: وما الذي أعددت لأهل العراق؟
قال: ألبس لهم جلد النمر، ثم أخوض الغمرات، وأقتحم الهلكات، فمن نازعني طلبته، ومن لحقته قتلته بعجلة وريث، وتبسم وازورار، وطلاقة واكفهرار، ورفق وجفاء، وصلة وحرمان، فإن استقاموا كنت لهم وليا حفيا، وإن خالفوا لم أبق منهم أحدا، فهذا ما أعددت لهم يا أمير المؤمنين، ولا عليك أن تجربني، فإن كنت للطلى قطاعا وللأرواح نزاعا، وللأموال جماعا، وإلا فاستبدل بي فإن الرجال كثير.
فقال عبد الملك: أنت لها، ثم التفت إلى كاتبه، وقال: اكتب عهده، ولا تؤخره، واعطه من الرجال والكراع والأموال ما سأل.