للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عبد الملك بن عمير: فبينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذ أتانا آت فقال: هذا الحجاج بن يوسف [وقد قام] [١] أميرا على العراق، فاشرأب الناس نحوه، وأفرجوا له إفراجة عن صحن المسجد، فإذا نحن به يتنهنس في مشيته عليه عمامة حمراء متلثما بها متنكبا قوسا عربيا يؤم المنبر فما زلت أرمقه ببصري حتى صعد المنبر فجلس عليه وما تحدر اللثام عن وجهه، وأهل الكوفة يومئذ لهم حال حسنة وهيئة جميلة، وعز ومنعة، يدخل الرجل منهم المسجد معه عشرة أو عشرون رجلا من مواليه وأتباعه/ عليهم الخزوز والقوهية، وفي المسجد رجل يقال له عمير بن ضابىء البرجمي، فقال لمحمد بن عطارد التميمي: هل لك أن أحصبه لك، قال: لا حتى نسمع كلامه، فقال: لعن الله بني أمية حيث يستعملون علينا مثل هذا، ولقد ضيع العراق حيث يكون مثل هذا أميرا عليه، والله لو أن هذا كله كلام ما كان شيئا.

والحجاج ينظر يمنة ويسرة، حتى إذا غص المسجد بالناس، قال: يا أهل العراق، إني لأعرف قدر اجتماعكم، هل اجتمعتم؟ فقال رجل: قد اجتمعنا أصلحك الله، فسكت هنيهة لا يتكلم. فقال الناس: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر [٢] ، فقام الحجاج فحسر لثامه، وقال: يا أهل العراق، أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود، ثم قال: [٢]

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا [٣] ... متى أضع العمامة تعرفوني

صليت العود من سلفي نزار ... لنصل السيف وضاح الجبين

وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت رأس الأربعين

أخو خمسين مجتمع لشدي ... ونجدة في مداومة الشؤون

وأني لا يعود إلي قرني ... غداة العين إلا أي حين

قال أبو بكر: قال أبي: والشعر لسحيم بن وثيل الرياحي، تمثل به الحجاج- والله


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[٢] الحصر: ضرب من العيّ، وقيل: حصر لم يقدر على الكلام.
[٣] في ت: «الثلايا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>