للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما أنتم أهل قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً [مِنْ كُلِّ مَكانٍ] [١] فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ١٦: ١١٢ [٢] ، وآتاها وعيد القرى من ربها بسوء ما كسبت أيديهم ألا إن الأمور إذا استقرت لا يدركها إلا كل ذي لب برأيه، وإن خير الرأي ما هدى الله به العبد، وراقبوا الله واعتصموا بحبله، وأعطوا القياد خلفاءكم وأمراءكم من قبل زوال النعمة، ولا تكونوا كالذين لا يعقلون، ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ ٧: ١٧٧ [٣] ، فليعقل من كان له معقول، فقد أعذر من أنذر، فقد والله حلت بكم بائقة فيها بوائق تتلوها سطوة من سطوات الله تجتاح الأموال، وتهريق الدماء، ثم لا تستطيعون عند ذلك غبرا، ولا تبدلون نعما.

لا تغروني يا قوم بكم، ولا تسهروني بعد رقدتي، فإني/ راض بما صفا لي منكم من علانيتكم، ما لم تكن حيلة في سواد هذه الدهماء، ولا تحملوني على أكتافكم بأحجاركم في رقابتكم، وفي كل يوم ما الخبر، إن الحجاج ذو حسام باتر تجتلى به الأوصال، فكم له في كل حي من حرز إلا من استوثقت لنا طاعته، وخلصت لنا مودته، ودامت لنا مقته، فذاك منا ونحن منه، فأما من ركب الترهات وأخذ في النية بعد النية، فهيهات هيهات يا هيهات لأهل المعاصي والنفاق، ألا ترهبون، ويحكم أن تغير عليكم الخيل الملجمة فتترككم أمثال الرقاق المنتفخة المستوسقة الشائلة بأرجلها، ألا وإن نصلي سبك من دماء [أهل] العراق، فمن شاء فليحقن دمه، ومن أبى أوسعت بالوعة الموت دمه، وفتتت للسباع لحمه، وقامت الرخم على شلوه، وضعت الدعارع بعجمه، فمهلا يا أهل العراق مهلا، فإن تميلي بقرن الصعاب، وبذل الرقاب، ولو قل العقاب وتستقل الحروب، ألم تعلموا أني في الحروب ولدت، وفيها تلدت، وفيها فطمت، وفيها قطعت تمائمي، وبليت نواجذي، وصلع رأسي، أفأنتم تجلجونني أن يكون ذلك حتى يجلجل صم الصناخيد التي هي للأرض أوتاد، وإني قد سست وساسني السائسون، وأدبني المؤدبون.


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[٢] إشارة إلى الآية الكريمة ١١٢، من سورة النحل.
[٣] إشارة إلى الآية الكريمة ١٧٧، من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>