للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استوثقوا واستقيموا، وتابعوا وبايعوا، وجانبوا واحذروا واتقوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار ولا الإهذار، ولا مع ذلك الفرار ولا النفار، وإنما هو انتضاء السيف، ثم لا يغمد الشتاء ولا الصيف حتى تفيئوا إلى أمر الله، وتجتمعوا [١] إلى طاعته وطاعة أمير المؤمنين حتى يذل الله له صعبكم، ويقيم أودكم، ويلوي به صغيركم.

ألا وإني وجدت الصدق مع البر، والبر في الجنة، وألفيت الكذب مع الفجور، والفجور في النار. وقد وجهني أمير المؤمنين إليكم وأمرني بإعطائكم عطاياكم، وإشخاصكم إلى مجاهدة عدوكم، وقد أمرت بذلك لكم، وأجلتكم ثلاثا، وأعطي الله عهدا يأخذه مني ويستوفيه/ علي، لئن بلغني أن رجلا تخلف منكم بعد قبض عطائه يوما واحدا لأضربن عنقه، ولأنهبن ماله. اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين يا غلام، فقال الكاتب:

«بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم» . فلم يقل أحد شيئا، فغضب الحجاج وقال: يا أهل الفتن الداحية، والأهواء الراثية، والألباب الماجنة، أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام، والله لأؤدبنكم غير أدب ابن أذينة- وكان ابن أذينة صاحب شرطة بالكوفة- ولأجعلن لكل امرئ منكم في جسده شغلا، أعد القراءة يا غلام، فأعاد الكاتب، فلما بلغ قوله: سلام عليكم، قال جميع من في المسجد، وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، ثم نزل فدخل الدار.

فلما كان اليوم الرابع أتاه عمير بن ضابىء البرجمي ومعه ابنان له وقد ركب معه جماعة من البراجمة ألفا فارس وقالوا له: إن رأيت من الأمير ريب فدماؤنا دون دمك، فقال: أيها الأمير، إني شيخ كبير، وقد خرج اسمي في هذا البعث، وابني هذا أقوى مني على السفر، وأجلد في الحرب، فإن رأى الأمير أن يمن علي بلزوم منزلي، ويقبل ابني بديلا فعل ذلك موفقا. فقال: نعم ذلك لك يا شيخ انطلق راشدا وابعث ابنك بديلا.

فلما ولي قال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير، أتعرف هذا الشيخ الّذي


[١] في ت: «وتجنحوا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>