للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:

لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... كتم الحديث وعفت الأسرار

لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار

فقال: والله إن أذنت أسمعتك أحسن منه. فأمرت به فأخرج، ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها، فقالت له سكينة: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت:

كذبت، صاحبك أشعر منك حيث يقول:

إن العيون التي في لحظها [١] مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا

أتبعتم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا [٢]

فقال: والله لئن تركتيني لأسمعنك أحسن منه. فأمرت بإخراجه، فالتفت إليها وقال: يا بنت رسول الله إن لي عليك حقا عظيما، صرت من مكة إرادة التسليم عليك، فكان جزائي من ذلك تكذيبي وطردي وتفضيل جرير علي، ومنعك إياي أن أنشدك شيئا من شعري، وبي ما قد عيل منه صبري، وهذه المنايا تغدو وتروح، ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإذا مت فمري بي أن أدرج في كفني وأدفن في حر [٣] هذه الجارية- يعني التي أعجبته- فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية. فخرج بها، وأمرت بالجواري، فدفعن في أقفيتهما، ونادته: يا فرزدق، احتفظ بها وأحسن صحبتها، فإني آثرتك بها على نفسي.

قال علي بن الحسين: وأخبرني ابن أبي الأزهر، قَالَ: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن محمد بن سلام قال:


[١] في الأغاني: «في طرفها» .
[٢] البيت ساقط من ت.
[٣] الحر: الكنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>