للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين: جرير، والفرزدق، وكثير، وجميل، ونصيب، فمكثوا أياما، ثم أذنت لهم فدخلوا عليها، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم، ثم أخرجت وصيفة لها وضية قد روت الأشعار والأحاديث. فقالت:

أيكم الفرزدق؟ قال لها: ها أنا ذا. فقالت: أنت القائل:

هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره

فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحي فيرجى أم قتيل نحاذره [١]

قال: نعم. قالت: فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك، هلا سترتها وسترت نفسك، خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم جرير؟ فقال: ها أنا ذا. فقالت: أنت القائل:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام

قال: نعم. قالت: فهلا رحبت بها! خذ هذه الألف وانصرف. ثم دخلت وخرجت فقالت: أفيكم كثير؟ قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل:

فأعجبني يا عز منك خلائق ... كرام إذا عد الخلائق أربع

دنوك حتى يطمع الطالب الصبا ... ورفعك أسباب الهوى حين يطمع

فو الله ما يدري لريم مماطل ... أينساك إذ باعدت أم يتضرع

قال: نعم. قالت: ملحت وشكلت، خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت: أيكم نصيب؟. قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل:

ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النساء الصغار

بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار

قال: نعم. قالت: رثيتنا صغارا ومدحتنا كبارا، خذ هذه الأربعة آلاف والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت: يا جميل، مولاتي تقرئك السلام وتقول: والله ما زلت مشتاقة إلى رؤيتك منذ سمعت قولك:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذا لسعيد

لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل بينهن شهيد


[١] الأبيات في الأغاني ٢١/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>