للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترابه قطع الكافور حتى لو أن بضعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة، وكان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها، وعليه دراعه من خز أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي [١] ، فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة، وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذه الأمور رشدا وعاقبة ما يؤول إليه حمدا أخلصه الله لك بالتقى، وكثره لك بالنماء، لا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجئون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك [٢] شيئا هو أبلغ في قضاء حقك من أن أذكرك نعمة الله عليك فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من يقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته. وكان متكئا فاستوى قاعدا وقال: هات يا ابن الأهتم، فقلت:

يا أمير المؤمنين، إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه، وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زخرفها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر، وأطرف مختبر، وألذ مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن بضعة ألقيت فيه لم تترب، وكان قد أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والنماء فنظر فأبعد النظر فقال: لمن هذا الذي أنا فيه، هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال [له] [٣] : أيها الملك، إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به، أهو شيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا عن غيرك وهو زائل عنك، وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو، قال: أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا لحسابه مرتهنا، قال: ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة ربك على ما ساءك وسرك ومضّك


[١] في الأصل: «كالمستنطق» . وما أوردناه من ت.
[٢] «يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك» : ساقط من ت.
[٣] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>