أحب إلي من الحياة. فهم أبو جعفر بإطلاقه، فقال له إسماعيل بن علي: في عنقي بيعة له، قال: فماذا ترى؟ قال: يترك في دار من دورنا ويجري عليه ما يجري على مثله، قال: ففعل ذلك به، فو الله ما أدري أمات في حبسه أم أطلقه المهدي.
وروى الحسن بن جعفر عن أبيه، قال: لما أفضت الخلافة إلى بني العباس اختفى رجال من بني أمية، وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له داود بن علي بن عبد الله أمانا من أبي العباس، فقال له أبو العباس يوما: حدثني عما مر بك في اختفائك فقال: كنت يا أمير المؤمنين مختفيا بالحيرة في منزل شارع على الصحراء [١] . فبينا أنا ذات يوم على ظهر بيت نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة، فوقع في روعي أنها تريدني، فخرجت من الدار متنكرا حتى دخلت الكوفة ولا أعرف بها أحدا أختفي عنده، فدخلت متلددا، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرحبة، فجلست فيها، فإذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة مع جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال: من أنت وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه واستجار بمنزلك، قال: فأدخلني منزله ثم سيرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده حولا في كل ما أحب من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب في كل يوم ركبة، فقلت له يوما: أراك تدمن الركوب، ففيم ذاك؟ قال: إن إبراهيم بن سليمان قتل أبي صبرا، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك ثأري فكثر تعجبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في منزل من يطلب دمي وكرهت الحياة، وسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه، فأخبرني بهما، فعلمت أني قتلت أباه، فقلت: يا هذا، قد وجب علي حقك، ومن حقك أن أقرب عليك الخطوة، قال:
وما ذاك؟ فقلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك، فقال: أحسب أنك رجل قد مضه الاختفاء فأحب الموت، فقلت: بل الحق، قلت: قتلته يوم كذا وكذا بسبب كذا وكذا، فلما عرف أني صادق تربد وجهه واحمرت عيناه، وأطرق مليا ثم قال: أما أنت فستلقى أبي فيأخذ حقه منك، وأما أنا فغير مخفر ذمتي فاخرج عني فلست آمن نفسي عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته.
[١] في الأصل: «على شارع الصحراء» . وما أوردناه من ت.