للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ عند أبي جعفر مرآة يرى بها مَا فِي الأرض جميعا، يقال إنها نزلت على آدم، وصارت إِلَى سليمان بْن داود، ثُمَّ ذهبت بها الشياطين وبقيت منها بقية صارت إلى بني إسرائيل، فأخذها رأس الجالوت، فأتى بها مروان بْن مُحَمَّد، فكان يحكها ثُمَّ يجعلها على مرآه أخرى فيرى [فِيهَا [١] مَا يكره، فرمى بها وضرب عنق رأس الجالوت، فلما استخلف أَبُو جعفر طلبها، فأتي بها، فكان يرى] [٢] فِيهَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حسن، فيكتب إِلَى رياح: إن محمدا ببلاد فِيهَا الأترج والأعناب، فاطلبه بها، فيطلبه فلا يجده، فيكتب إِلَيْهِ أنه ببلاد فِيهَا الجبال فلا يجده. وَكَانَ السبب: أن محمدا كَانَ لا يقيم بمكان إلا يسيرا، فأخبر رياح أنه فِي شعب من شعاب رضوى، فاستعمل عَمْرو بْن عثمان بْن مالك، وأمره بطلبه، فخرج إِلَيْهِ بالخيل والرجال، ففزع منهم مُحَمَّد، فأحضر شدا، فأفلت، وَكَانَ معه جارية وله منها ولد [٣] ، فهربت الجارية، فسقط الصبي منها فتقطع، فَقَالَ مُحَمَّد:

منخرق السربال يشكو الوجى ... تبكيه أطراف مرو حداد

شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد

قَدْ كَانَ فِي الموت لَهُ راحة ... والموت حتم فِي رقاب العباد [٤]

وخرج رياح فِي طلبه، فرآه مُحَمَّد قَدْ جاء فِي الخيل، فعدل إلى بئر فوقف بين/ ٢٢/ أقرنيها ليستقي الماء، فنظر إِلَيْهِ رياح فَقَالَ: قاتله اللَّه أعرابيا مَا أحسن ذراعه! ولقيه مرة أخرى، فجلس مُحَمَّد وجعل ظهره مما يلي الطريق، وسدل هدب ردائه على وجهه، فَقَالَ: رياح: امرأة رأتنا فاستحيت. وَكَانَ مُحَمَّد جسيما عظيما آدم شديد الأدمة.

وطال على المنصور أمره ولم يقدر عليه، وقيل لَهُ: أتطمع أن تخرج مُحَمَّد وإبراهيم، وبْنو حسن مخلون!؟ وكانوا ثلاثة عشر رجلا.

وحبس معهم مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه العثماني وولدين لَهُ، فلم يزالوا محبوسين حَتَّى حج أَبُو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة، فتلقاه رياح بالربذة فرده إِلَى المدينة، وأمر


[١] في ت: «فيرى منها» .
[٢] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وما أثبتناه من الأصل.
[٣] في ت: «بني» وما أثبتناه من الأصل.
[٤] انظر: تاريخ الطبري ٧/ ٥٣٤- ٥٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>