للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيصير حجة، ويحسن مَا يشاء فيحسن، ويقبح مَا يشاء فيقبح، أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلمتهم قلوبهم وألسنتهم، فرفع اللَّه لهم أكرم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختم لهم بملك الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته منهم إِلَى الحشر، فمن دفع حقهم [١] خسر، ومن أنكر فضلهم خصم، ودفع الحق باللسان أكبت للجنان.

واجتمع ابْن المقفع بالخليل بْن أَحْمَد فَقَالَ الخليل: علمه أكثر من عقله.

وَكَانَ ابْن المقفع مَعَ هَذَا يتهم فِي دينه، فروي عَنِ المهدي أنه قَالَ: مَا وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابْن المقفع.

وقد حكى المرتضى عَنِ الجاحظ أنه قَالَ: كَانَ ابْن المقفع ومطيع بْن إياس ومنقذ بْن زياد يتهمون فِي دينهم.

قَالَ المرتضى: ومر ابْن المقفع ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم، فتلمحه [٢] ثُمَّ قَالَ:

يا بيت عاتكة الَّذِي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل

إني لأمنحك الصدود وإنني قسما ... إليك مَعَ الصدود لأميل

وَكَانَ ابْن المقفع قَدْ كتب كتاب أمير المؤمنين لعَبْد اللَّه بْن عَلِيّ، وكتب فِيهِ: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عَبْد اللَّه فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حلّ من بيعته. فاشتد ذلك على المنصور، فكتب إِلَى سفيان بْن معاوية- وَهُوَ أمير البصرة- فقتله.

وروى أَبُو بكر الصولي: أن الربيع الحاجب قَالَ: لما قرأ المنصور الأيمان الَّذِي كتبه ابن المقفع قَالَ: من كتب هَذَا؟ فقيل: رجل يقال لَهُ عَبْد اللَّه بْن المقفع يكتب ٢٧/ ألعمّيك سليمان/ وعيسى ابْني علي بالبصرة، فكتب إِلَى عامله بالبصرة: لا يفلتنك ابْن المقفع حَتَّى تقتله. فاستأذن يوما عليه مَعَ وجوه أَهْل البصرة، فأخر سفيان إذنه وأذن لمن كَانَ معه قبله، ثُمَّ أذن لَهُ، فلما صار فِي الدهليز عدل به [٣] إِلَى حجرة، فقتل فيها،


[١] في الأصل: «فمن حقهم» .
[٢] في ت: «فلمحة» وما أثبتناه من الأصل.
[٣] «به» ساقطة من ت، وأثبتناها من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>