للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوفاة، فأمر غيره فصلى بالناس، وَكَانَ فِي الستة فدفعوه، وقتل عثمان وَهُوَ لَهُ متهم، وقاتله طلحة والزبير، ثُمَّ كَانَ حسن فباعها من معاوية بخرق ودراهم، فإن كَانَ لكم فِيهَا شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه، ثُمَّ خرجتم على بني أمية فقتلوكم وصلبوكم ونفوكم، فطلبْنا بثأركم، وأورثناكم أرضهم، ولقد علمت أن مكرمتنا فِي الجاهلية سقاية الحاج وزمزم، ولقد قحط أَهْل المدينة فلم يتوسل عُمَر إلا بأبينا.

ولما ظهر مُحَمَّد شخص إِلَيْهِ الحسن بْن معاوية فرده إِلَى مكة، فغلب عَلَيْهَا ودخل مكة فخطب بالناس ونعى إليهم أبا جعفر، ودعا لمحمد بْن عبد الله فدعا أبو جعفر جعفر بْن حنظلة النهراني، وَكَانَ أعلم الناس بالحرب، وقد شهد مَعَ مروان حروبه، فَقَالَ لَهُ: يا جعفر، قَدْ ظهر مُحَمَّد، فما عندك؟ فَقَالَ: وأين ظهر؟ قَالَ: بالمدينة. قَالَ:

فاحمد اللَّه، ظهر حيث لا مال ولا سلاح ولا كراع، ابعث مولى لك تثق به الآن ينزل ٣٢/ أبوادي/ القرى، فيمنعه ميرة الشام، فيموت مكانه جوعا. ففعل وندب أَبُو جعفر عيسى بْن موسى لقتال مُحَمَّد وَقَالَ: لا أبالي أيهما قتل صاحبه وضم إِلَيْهِ أربعة آلاف من الجند، وبعث معه مُحَمَّد بْن أبي الْعَبَّاس أمير المؤمنين، وقدم كثير بْن أبي حصين العبدي فعسكر بفيد، وخندق عليه خندقا حَتَّى قدم عليه عيسى بْن موسى، فخرج به إِلَى المدينة، وَقَالَ أَبُو جعفر لعيسى حين ودعه: يا عيسى، إني أبعثك إلى ما بين هذين- وأشار إِلَى جنبيه- فإن ظفرت بالرجل فشم سيفك وابذل الأمان، وإن تغيب فضمنهم إياه حَتَّى يأتوك به، فإنهم يعرفون مذهبه. ففعل ذلك.

ولما وصل عيسى إِلَى فيد كتب إِلَى رجال من أَهْل المدينة، فتفرقوا عَنْ مُحَمَّد وخرجوا إِلَى عيسى، وقد كَانَ مَعَ مُحَمَّد نحو من مائة ألف، فلما دنا عيسى إِلَى المدينة قَالَ مُحَمَّد لأصحابه: أشيروا علي فِي الخروج والمقام. فاختلفوا، فَقَالَ بعضهم: إنك بأقل بلاد اللَّه فرسا وطعاما، وأضعفها رجلا وسلاحا، والرأي بأن تسير بمن معك حتى تأتي مصر، فو الله لا يردك راد، فتقابل الرجل بمثل سلاحه ورجاله.

وَقَالَ بعضهم: أعوذ باللَّه أن تخرج من المدينة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رأيتني فِي درع حصينة فأولتها المدينة» فحفر خندق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حفره يوم الأحزاب، وخطب الناس وَقَالَ: «إن هَذَا الرجل قرب منكم فِي عدد وعدة، وقد احللتكم من بيعتي، فمن أحب فليقم، ومن أحب فلينصرف. فتسللوا وخرج قوم منهم إِلَى الجبال حَتَّى بقي فِي شرذمة، حَتَّى قَالَ بعضهم: نحن اليوم في عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وثلاثة

<<  <  ج: ص:  >  >>