عشر رجلا ونزل عيسى بالحرف صبيحة اثنتي عشرة من رَمَضَان من هَذِهِ السنة يوم السبت، فأقام يوم السبت ويوم الأحد وغداة الاثنين، حتى استولى على سلع، وشحن/ ٣٢/ ب وجوه المدينة بالخيل، وأقبل على دابته يمشي وحوله نحو من خمسمائة وبين يديه راية، فوقف على الثنية ثُمَّ نادى: يا أَهْل المدينة، إن اللَّه قَدْ حرم دماء بعضنا [١] على بعض، فهلم إِلَى الأمان، فمن قام تحت رايتنا فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن خرج من المدينة فهو آمن، خلوا بيننا وبين صاحبْنا، فإما لنا وإما لَهُ.
فشتمه أَهْل المدينة، فانصرف يومه ذاك، وعاد من الغد، ففعل مثل ذلك فشتموه، فلما كان في اليوم الثالث أقبل بالخيل والرجال والسلاح، ونادى بْنفسه: يا مُحَمَّد، إن أمير المؤمنين أمرني أن لا أقاتل حَتَّى أعرض عَلَيْك الأمان، فلك الأمان على نفسك وأهلك وولدك وأصحابك، وتعطى من المال كذا وكذا، ويقضي عنك دينك. فصاح محمد إله عن هذا، فو الله لقد علمت إنه لا يثنيني عنكم فزع، ولا يقربْني منكم طمع، ولحج القتال وترجل، فقتل يومئذ نحوا من سبعين بيده، وكانت الهزيمة قَدْ بلغت الخندق، فأرسل عيسى بأبواب بقدر الخندق، فعبروا عَلَيْهَا حَتَّى كانوا من ورائه، ثُمَّ اقتتلوا أشد القتال من بكرة حَتَّى العصر.
وفي رواية: أمرهم عيسى فطرحوا حقائب الإبل فِي الخندق، وأمر ببابي دار سعد بْن مسعود التي فِي الثنية، فطرحا على الخندق، فجازت الخيل، فالتقوا، فانصرف مُحَمَّد قبل الظهر، فاغتسل وتحنط، فقيل لَهُ: الحق بمكة. فَقَالَ: لو خرجت لقتل أَهْل المدينة، والله لا أرجع حَتَّى أقتل أو أقتل. فعرقب دابته، وعرقب أصحابه دوابهم، فلم يبق أحد إلا كسر غمد سيفه، فجاز رجل فضرب محمدا بالسيف دون شحمة أذنه اليمنى، فبرك لركبتيه، وتعاونوا عليه. وصاح حميد بْن قحطبة: لا تقتلوه، فكفوا، فجاء حميد فاجتز رأسه، وَكَانَ مَعَ مُحَمَّد سيف، فأعطاه- قبل أن يقتل- رجلا من التجار له عليه دين أربعمائة دينار. فَقَالَ خذ هَذَا السيف، فإنك لا تلقى أحدا من آل أبي/ طالب إلا أخذه وأعطاك حقك، فكان السيف عنده حَتَّى ولي جعفر بن سليمان ٣٣/ أالمدينة، فأخبر عنه، فدعا الرجل وأخذ السيف منه وأعطاه أربعمائة دينار وقتل محمد