للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا إلا تقدمت إليك فِيهِ، وسأوصيك بخصال والله مَا أظنك تفعل واحدة منها، وَكَانَ لَهُ ٩٢/ ب سفط فِيهِ دفاتر، فكان لا يأمن/ عَلَى فتحه أحدا، فَقَالَ: انظر هَذَا السفط فاحتفظ به، فإن فِيهِ علم آبائك، وانظر هَذِهِ المدينة وإياك أن تستبدل بها فإنها مدينتك وعزك، وقد جمعت [١] لك فيها من الأموال مَا لم يجمعه خليفة قبلي، فإن حبس عنك الخراج عشر سنين كَانَ عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذرية ومصلحة الثغور، فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا مَا دام بيت مالك عامر [٢] ، وما أظنك تفعل.

وأوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم، والإحسان إليهم، وتوليهم المنابر، وتعطي النّاس أعقابهم، فإن عزهم عزك وذلهم ذلك، وانظر مواليك فأحسن إليهم وقربهم، واستكثر منهم، وإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك. وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم دونك أن تحسن إليهم، وتتجاوز عَنْ مسيئهم، وتخلف من مات منهم فِي أهله وولده، وإياك أن تبْني مدينة شرقية فإنك لا تتم بْناءها، وإياك أن تدخل النساء فِي مشورتك وأمرك.

ثُمَّ مضى المنصور إِلَى الكوفة فنزل الرصافة، ثُمَّ خرج منها فأهل بالحج والعمرة، وساق معه الهدي وأشعره وقلده لأيام خلت من ذي القعدة، فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا ابن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن سهل بْن عسكر يَقُول:

بعث أَبُو جَعْفَر الخشابين حين خرج إِلَى مكة، فَقَالَ: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه، قَالَ: فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي سفيان، وإذا رأسه فِي حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة. قَالَ: فقالوا لَهُ: يا عَبْد اللَّه، اتّق الله ولا تشمت بنا ٩٣/ أالأعداء. قَالَ: فتقدم إِلَى/ الأستار فأخذها ثُمَّ قَالَ: برئت منه إن دخلها أَبُو جَعْفَر. قَالَ:

فمات قبل أن يدخلها- يعني مكة- فأخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئا.

وفي هذه السنة: تُوُفِّيَ المنصور، وبويع لولده المهدي.


[١] تاريخ الطبري ٨/ ١٠٦.
[٢] في الأصل: «ما دام مالك بيته عامر» وما أوردناه من ت والطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>