للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهم، وحفظهم لدينهم، ندم الملك وَقَالَ: فعلت هَذَا بقوم لم أر أشجع منهم، فأمر بالصغير فأدنى منه فجعل يفتنه عَنْ دينه بكل أمر فيأبى، فقام إِلَيْهِ علج من أعلاجه فقال:

أيها الملك مَا تجعل لي إن أنا فتنته؟ قَالَ: أبطرقك، قَالَ: قَدْ رضيت، قَالَ: فبماذا تفتنه؟ قَالَ: قَدْ علم الملك أن العرب أسرع شيء إِلَى النساء، وقد علمت الروم أنه ليس فيهم [امرأة] [١] أجمل من ابْنتي فلانة، فادفعه إلي حَتَّى أخليه معها، فإنها ستفتنه، قال:

فضرب الملك بينه وبين العلج أجلا أربعين يوما، ودفعه إِلَيْهِ، فجاء به فأدخله مع ابنته، وأخبرها بالذي ضمن للملك [٢] ، وبالأجل الَّذِي ضربه بينه وبينه، فقالت: لَهُ: دعه، فقد كفيتك أمره، فأقام معها نهاره صائما، وليله قائما، لا يفتر من العمل، حَتَّى مضى أكبر الأجل، فسأل الملك العلج: ما حال الرجل؟ فرجع إِلَى ابْنته فَقَالَ لها: مَا صنعت؟

قالت: مَا صنعت شيئا هَذَا رجل فقد إخوته في هذه البلدة، فأخاف أن يكون امتناعه من أجل أخويه، كلما رأى آثارهما، ولكن استزد الملك فِي الأجل، وانقلني وإياه إِلَى بلد غير هَذَا البلد الَّذِي قتل فِيهِ أخواه، فسأل العلج الملك فزاده فِي الأجل، أياما، وأذن له في ١٤٨/ ب خروجهما/، فأخرجهما إِلَى قرية أخرى، فمكث عَلَى ذلك أياما صائم النهار، قائم الليل، حَتَّى إذا بقي من الأجل أيام قالت لَهُ الجارية ليلة من الليالي: يا هَذَا، إني أراك تقدس ربا عظيما، وإني قَدْ دخلت معك فِي دينك، وتركت دين آبائي فلم يثق بذلك منها، حَتَّى أعادت عليه مرارا، فَقَالَ لها: فكيف الحيلة فِي الهرب والنجاة مما نحن فِيهِ؟

فقالت لَهُ: أنا أحتال لك وجاءته بدواب وقالت لَهُ: قم بْنا نهرب إِلَى بلادك، فركبا، فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار، وطلبا فخفيا، فبينما هما يسيران ذات ليلة سمع وقع حوافر [٣] خيل، فقالت لَهُ الجارية: أيها الرجل، ادع ربك الَّذِي صدقته وآمنت به أن يخصلنا من عدونا، فإذا هو بأخويه ومعهما ملائكة رسل إِلَيْهِ، فسلم عليهما وسألهما عَنْ حالهما، فقالا لَهُ: مَا كانت إلا الغطسة الَّتِي رأيت حَتَّى خرجنا فِي الفردوس، وإن الله أرسلنا إليك لنشهد تزويجك بهذه الفتاة. فزوجوه إياها ورجعوا، وخرج إِلَى بلاد الشام، فأقام معها، وكانا مشهورين بذلك، معروفين بالشام فِي الزمن الأول. وقد قيل فيهما من الشعر ما أنسيته غير هذا البيت:


[١] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٢] في ت: «فأخبرها بالذي فارق عليه الملك» .
[٣] «حوافر» ساقطة من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>