للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَطْنِ أُمِّي، فَقَامَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَأَرَنَّ الشَّيْطَانُ رَنَّةً سَمِعَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، ثُمَّ عَرَجَ فَقَالَ: أَيْ رَبُّ قَدِ اعْتَصَمَ وَإِنِّي لا أَسْتَطِيعُهُ إِلا بِتَسْلِيطِكَ فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى جَسَدِهِ وَلَمْ أُسَلِّطْكَ عَلَى قَلْبِهِ. قَالَ: فَنَفَخَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ نَفْخَةً فَصَرَخَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ حَتَّى بَدَا حِجَابُ بَطْنِهِ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِ الرُّقَادُ.

قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَيُّوبُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِي مِنَ الْجُهْدِ وَالْفَاقَةِ، فَابْعَثْ قَرْنًا مِنْ قُرُونِي بِرَغِيفٍ فَأُطْعِمَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ فَلْيَشْفِيَكَ، قَالَ: وَيْحَكِ كُنَّا فِي النَّعْمَاءِ سَبْعِينَ عَامًا، فَاصْبِرِي حَتَّى نَكُونَ فِي الضَّرَّاءِ سَبْعِينَ عَامًا.

قَالَ: فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلاءِ سَبْعِينَ، قَالَ: فَقَعَدَ الشَّيْطَانُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخَذَ تَابُوتًا يَتَطَيَّبُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةُ أَيُّوبَ، فَقَالَتْ: يا عبد الله إن ها هنا إِنْسَانًا مُبْتَلًى فَهَلْ لَكَ أَنْ تُدَاوِيَهُ؟

قَالَ: إِنْ شَاءَ فَعَلْتُ عَلَى أَنْ يَقُولَ لِي كَلِمَةً وَاحِدَةً إِذَا بَرَأَ، يَقُولُ: أَنْتَ شَفَيْتَنِي، قال:

فأتته فقالت: يا أيوب إن ها هنا رَجُلا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُدَاوِيكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً:

أَنْتَ شَفَيْتَنِي، قَالَ: وَيْلَكِ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ، للَّه عَلَيَّ إِنْ شَفَانِي اللَّهُ أَنْ أَجْلِدَكِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذ جاءه/ جبرئيل فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: قُمْ، فَقَامَ، فَقَالَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ، فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبَ.

قَالَ: ثُمَّ أَلْبَسَهُ حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَيْنَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هَاهُنَا لَعَلَّ الذِّئَابَ ذَهَبَتْ بِهِ أَوِ الْكِلابُ، قَالَ: فَقَالَ: وَيْحَكِ لأَنَا أَيُّوبُ قَدْ رَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ نَفْسِي، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْخَرْ بِي، قَالَ: وَيْحَكِ أَنَا أَيُّوبُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مَالَهُ وَوَلَدَهُ بِأَعْيَانِهِمْ وِمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ.

قَالَ: فَجَعَلَ يَأْخُذُ الْجَرَادَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ ... [١] فَيَأْخُذُ فَيَجْعَلُ فِيهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا أَيُّوبُ أَمَا شَبِعْتَ، قَالَ أَيُّوبُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْبَعُ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ.

قَالَ: فَأَخَذَ ضِغْثًا بِيَدِهِ فَجَلَدَهَا بِهِ. قَالَ وَكَانَ الضِّغْثُ مِائَةَ [شِمْرَاخٍ] [٢] ، فَجَلَدَهَا به جلدة واحدة.


[١] مكان النقط كلمة مطموسة في الأصل.
[٢] ما بين المعقوفتين: من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>