للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَنْبَأَنَا عَلي بْن أبي على البصري، عن أبيه، أن مسروا قَالَ: استدعاني المأمون فقال لي: قد أكثر علي أخبار السر بأن شيخا يأتي خراب البرامكة فيبكي وينتحب طويلا ثم ينشد شعرا يرثيهم به وينصرف، فاركب أنت ودينار بْن عَبْد الله/ واستتر بالجدران، فإذا جاء وشاهدتما ما فعل وسمعتما ما قال فأتياني به، فركبنا مغلسين، فأتينا الموضع فاختفينا فيه وأبعدنا الدواب، فلما أصبحنا إذا بخادم أسود قد أقبل ومعه كرسي حديد، فطرحه وجاء على أثره كهل فجلس على الكرسي وتلفت فلم ير أحدا، فبكى وانتحب حتى قلت قد فارق الدنيا، ثم أنشأ يَقُولُ:

ولما رأيت السيف خلل جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى

[١] وذكر أبياتا قد تقدمت، فلما قام قبضنا عَلَيْهِ، فقال: ما تريدان مني. قُلْتُ: هذا دينار بْن عَبْد الله وأنا مسرور خادم أمير المؤمنين وهو يستدعيك فالبس، ثم قَالَ: إني لا آمنه عَلَى نفسي، فأمهلني حتى أوصي. قُلْتُ: شأنك. فسرنا معه فوقف على دكان رجل واستدعى دواة وبيضاء، فكتب فيها وصيته، ودفعها إلى خادمه، وسرنا بِهِ، فلما مثل بين يدي الخليفة زبره وقَالَ: من أنت؟ وبم استحق منك البرامكة ما تصنع [٢] . فقال غير هائب ولا محتشم: يا أمير المؤمنين، إن للبرامكة عندي أيادي خضراء، فإن أمر أمير المؤمنين حدثته ببعضها. فَقَالَ: هات. فقال: أنَا المنذر بن المغيرة الدمشقي، نشأت في نعمة فزالت حتى أفضت إلى بيع داري، وأملقت إلى [غير] [٣] غاية، فأشير علي بقصد البرامكة، فخرجت إلى بغداد/ ومعي نيف وعشرون امرأة وصبيا، فدخلت بهم إلى [مسجد] [٤] ببغداد، ثم خرجت وتركتهم جياعا لا نفقة لهم، فمررت بمسجد فيه جماعة عليهم أحسن زي، فجلست معهم أردد في صدري ما أخاطبهم به فتحيد نفسي عن ذل السؤال [٥] ، فإذا خادم قد أزعج القوم، فقاموا فقمت معهم، فدخلوا دارا كبيرة، فدخلت معهم، فإذا يحيى بن خالد على دكة وسط بستان، فجلسوا وجلست، وكنا مائة


[١] الأبيات في تاريخ بغداد ٧/ ١٥٩، ١٦٠.
[٢] في ت: «يصنع» .
[٣] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٤] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٥] في ت: «فتحد نفسي باني ذل السؤال» .

<<  <  ج: ص:  >  >>