للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرشيد بالسهام والمجانيق والعرادات، ففتح الباب يوما رجل منهم وخرج في أكمل زي وسلاح، فنادى: هل من مبارز؟ قد طالت مرافقتكم إيانا، فليبرز [١] إلي منكم رجلان، ثم لم يزل يزيد حتى بلغ عشرين، فلم يجبه أحد، فدخل وأغلق الباب، وكان الرشيد نائما، فلم يعلم بخبره إلا بعد انتباهه، فغضب ولام خدمه إذ لم يعلموه/ فقيل لَهُ: إن الامتناع عَنْه سيغريه [٢] ويطغيه، وهو يخرج في غد فيطلب مثل ما طلب، فطالت على الرشيد ليلته انتظارا لَهُ، فإذا هو بالباب قد فتح، وخرج طالبا للبراز، فجعل يدعي أنه يثبت لعشرين، فقال الرشيد: من له؟ فابتدر جماعة من القواد كهزيمة وخزيمة، فعزم على إخراج المطوعة بعضهم، فضج المطوعة، فإذا بعشرين منهم، فقال قائلهم: يا أمير المؤمنين، قوادك مشهورون بالبأس، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذَلِكَ، وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر قبيحة، ونحن عامة لا يرتفع لأحد منا صوت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخلينا نختار رجلا من العامة فنخرجه إِلَيْهِ، فإن ظفر علم أهل الحصن أن أمير المؤمنين ظفر بأعرفهم على يد رجل من العامة، ليس ممن يؤمن قتله، ولا يؤثر، وإن قتل الرجل كان شهيدا ولم يؤثر دما. فقال الرشيد: قد استصوبت رأيكم، فاختاروا رجلا منكم، فاختاروا [٣] رجلا يقال له: ابن الجزري، وكان معروفا بالبأس والنجدة، فقال له الرشيد: أتخرج؟ قَالَ: نعم، واستعين باللَّه.

فَقَالَ: اعطوه فرسا ورمحا وسيفا وترسا. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أنا بفرسي أوثق، ورمحي بيدي أشد، ولكن قد قبلت السيف والترس فلبس سلاحه واستدناه الرشيد وودعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوعة، فلما انقض [٤] في الوادي قال لهم العلج وهو يعدهم واحدا واحدا، / إنما الشرط عشرون وقد زدتم رجلا، ولكن لا بأس. فنادوه: ليس يخرج إليك إلا رجل واحد. فلما فصل منهم ابن الجزري تلقاه الرجل الرومي وقد أشرف أكثر [٥] الناس من الحصن يتأملون صاحبهم والقرن، حتى


[١] في الأصل: «فليبزز» .
[٢] في الأصل: «سيغربه» .
[٣] في الأصل: «فاحتاروا» .
[٤] في الأصل: «انقص» .
[٥] في الأصل: «أكنر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>