للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السكر، وتبقى الدهر فأنفذها إلي. فأنفذها وأرسل إلى جعفر، فَقَالَ: يا بني أبعث إلي بألف ألف درهم لحق لزمني. فبعث إِلَيْهِ، ففكر ساعة ثم قال لخادم على رأسه: ابعث إلى دنانير وقل لها هات العقد الذي وهبه لك أمير المؤمنين فأهديه. فَقَالَ: هذا عقد أمير المؤمنين بمائة وعشرين ألف دينار. فوهبه لدنانير، وقد قومناه عليك بألفي ألف درهم ليتم المال، فخل عن صاحبنا. فأخذت ذلك، ورددت منصورا معي، فلما صرنا إلى الباب تمثل منصور:

فما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال

/ قال صالح: فقلت في نفسي ما أحد أكرم من يحيى، ولا أردأ طبعا من هذا النبطي، إذ لم يشكر من أحيا نفسه. وصرت إلى الرشيد فعرفته ما جرى إلا إنشاد [١] البيت، خوفا عليه أن يقتله. فقال الرشيد: قد علمت أنه لا يسلم إلا بأهل هذا البيت، فاقبض المال، واردد العقد، فما كنت لأهب هبة ثم أرتجعها.

قال صالح: وحملني غيظي من منصور أن عرفت يحيى ما أنشد، فأقبل يحيى يتحمل له بالغدر ويقول: إن الخائف لا يتقى [٢] له لب، وربما نطق بما لا يعتقد، فقلت: والله لا أدري من أي فعليك أعجب، من فعلك معه، أو من اعتذارك عنه، لكني أعلم أن الزمان لا يأتي بمثلك أبدا.

وكان يحيى بن خالد يجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألف درهم، فسمع سفيان يقول في سجوده: اللَّهمّ إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه بهم آخرته. فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في النوم، فقال لَهُ: ما فعل الله بك. قَالَ: غفر لي بدعوة سُفْيان.

أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن أبي جعفر الأخرم، أخبرنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الطوماري، حدثنا المبرد قال: حدثني محمد بن جعفر بن يحيى بْن خالد بن برمك قال: قال أبي لأبيه: يحيى بن خالد بن [٣] برمك- وهم في القيود ولبس الصوف والحبس-: يا أبت، بعد الأمر والنهي والأموال العظيمة


[١] في الأصل: «إنساد» .
[٢] في الأصل: «لا يتفى» .
[٣] في الأصل: «أظنه محمد بن الفضل بن يحيى»

<<  <  ج: ص:  >  >>