للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّهُ وجده، فسرني والله، وسري عني، ورجوت أن يكون بحيث أحب، فأمرته بإحضاره، فغدا علي فسألته عن الرجل، فذكر أنه لم يجده على الصفة التي يحب، فسألته عن السبب في ذلك بعد وصفه الأول، فوصف أن الذي وصفه لي علي بن مقاتل، وأنه كان عنده من أهل العفاف والستر، فانصرف علي، ولم يحضره، ووجه إليه وهو لا يشك أنه يظهر كراهة لما أردناه عليه، ويستعفي تصنعا، فخبره بما أردناه له، فوثب إلى رأسه فقبله، فقضى أنه لا خير عنده، لأنه لو كان من أهل الخير لعد الذي دعا إليه إحدى المصائب والرزايا، / فقلت لَهُ: جزاك اللَّه عن إمامك ونفسك خير ما جزى امرأ عن إمامه ونفسه ودينه.

قال بشر: فبهت ولم أجر بكلمة، فقال لي: ولكن إذا أردت العفيف النظيف التقي النقي الطاهر الزكي- يعني الحسين- وهو بحالته التي فارقنا عليها، والله ما غير ولا بدل.

أما يحيى بن أكثم فما ندري ما عيبه!؟ أما ظاهره فأعف خلق اللَّه. فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما لك في الخلفاء شبيه إلا عمر بن الْخَطَّاب، فإنه كان يفحص عن عماله وعَنْ دقيق أسرار حكامه فحصا شافيا، وكان لا يخفى عليه ما يفيده كل امرئ منهم وما ينفق، وكل من نأى عنه كمن دنا منه في بحثه وتنقيره. فقال: يا بشر، إن أهم الأمور كلها إلي أمور الحكام، إذ كنا قد ألزمناهم النظر في الدماء والأموال والفروج والأحكام، ووددت أن يتأتى مائة قاض مرضيين، وأني أجوع يوما وأشبع يوما.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو عمر الحسن بْن عُثْمَان الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن محمد بن الحكم قال: حدثني [١] أحمد بن الحسن الكسائي قَالَ: حدثنا سليمان بن الفضل النهرواني قَالَ: حدثني يحيى بن أكثم قَالَ: بت ليلة عند المأمون فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: ما لك ليس تنام يا يحيى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا والله عطشان. فَقَالَ: ارجع إلى موضعك. فقام والله/ إلى البرادة فجاءني بكوز، فقام على رأسي فَقَالَ: اشرب يا يحيى. فقلت: يا أمير المؤمنين، فهلا وصيف أو وصيفة! فَقَالَ:

إنهم نيام. قلت: فأنا كنت أقوم أشرب! فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ثم


[١] في الأصل: «وحدثني» .

<<  <  ج: ص:  >  >>