للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَنَا الحسن بن محمد الكاتب قَالَ: ذكر بشر بن الوليد القاضي المأمون فقال: كان والله الملك حقا، ما رأيت خليفة كان الكذب عليه أشد منه على المأمون، وكان يحتمل كل آفة تكون في الإنسان ولا يحتمل الكذب. قال لي يوما: صف لي أبا يوسف القاضي، فإنّي لم أره ولم استكثر منه. فوصفته له، فاستحسن صفته وقَالَ: وددت أن مثل هذا يحضرنا فنتجمل به [١] . ثم قَالَ: ما شيء من الخلافة إلا وأنا أحسن [أن] [٢] أدبره، وأبلغ منه حيث أريد، وأقوى عليه، إلّا أمر أصحابك- يعني: القضاة- فو الله لقد اجتهدت وما ظنك بشيء يتحرج منه علي بن هشام، ويتوقى سوء عاقبته، ويتكالب عليه الفقهاء وأهل التصنع والرياء. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله ما أدري ما أقصد فأجيب بحبسه. فَقَالَ: لكني أدريه، ولا والله ما تجيبني فيه بجواب مقنع أبدا. ثم ابتدأ فَقَالَ:

ولينا رجلا- أشرت به علينا- قضاء الأبلة، وأجرينا عليه ألف درهم، ولا له ضيعة ولا عقار ولا مال، فرجع صاحب الخبر بالناحية أن نفقته في الشهر أربعة آلاف درهم، فمن أين هذه الثلاثة آلاف درهم!؟

وولينا رجلا- أشار به/ محمد بن سماعة- دمشق، وأجرينا عليه ألفي درهم في الشهر، فأقام بها أربعة عشر شهرا، ووجهنا من يتتبع أمواله ويرجع إلينا بخبره [٣] ، فصح عنه أنه يملك قيمة ثلاثة عشر ألف دينار من دابة وبغل وخادم وجارية وغير ذلك.

وولينا رجلا- أشار به غيركما- نهاوند، فأقام بعد عشرين شهرا من دخول يده في العمل سبعين بحينا وعشرين بحينا [٤] ، وفي منزله أربعة خدم خصيان قيمتهم ألف وخمسمائة دينار، وذلك سوى نتاج فكر اتخذه. هات ما عندك من الجواب.

قُلْتُ: والله يا أمير المؤمنين ما عندي جواب. فَقَالَ: ألم أعلمك أنه لا جواب عندك!؟ وأكثر من هذا أنه ترغب لي علي بن هشام في رجل أوليته القضاء، فأعلمني


[١] في ت: «فتتزين به» .
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[٣] في الأصل: «ويرجع إليه بخبره» .
[٤] هكذا بالأصلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>