للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمري، وحددت عَلَيْهَا حدودا فلا تعدو حدي، وإني معك ولن يصل إليك شَيْء معي، وإني بعثتك إِلَى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي، مستوجبا بِذَلِكَ أجر من اتبعك مِنْهُم، ولا ينقص من أجورهم شَيْء، انطلق إِلَى قومك فقم فيهم وقل لَهُمْ إِن اللَّه تبارك وتعالى ذكركم بصلاح آبائكم، فلذلك استقاكم يا معشر أبناء الأنبياء ونسلهم، كيف وجد آباؤهم مغبة طاعتي، وكيف وجدوا هُمْ مغبة معصيتي، وهل وجدوا أحدا عصاني فسعد بمعصيتي، وهل علموا أحدا طاعني فشقي بطاعتي، إِن الدواب إِذَا ذكرت أوطانها/ الصالحة نزعت إِلَيْهَا، وإن هَؤُلاءِ الْقَوْم رتعوا فِي مروج الهلكة وتركوا الأمر الَّذِي بِهِ أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غَيْر وجهها. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادتي خولا يتعبدُونَهم [دُونَي] [١] ، ويحكمون فيهم بغير كتابي، حَتَّى أنسوهم ذكري، و [غيروا] [٢] سنني، فأدان لَهُمْ عبادي بالطاعة الَّتِي لا تنبغي إلا لي، فهم يطيعونهم فِي معصيتي. وَأَمَّا ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرتهم الدُّنْيَا حَتَّى نبذوا كتابي، ويفترون عَلَى رسلي جرأة مِنْهُم عَلِي وغرة بي. فسبحان جلالي، وعلو مكاني، وعظمة شأني! وهل ينبغي لي أَن يَكُون لي شريك فِي ملكي؟ وهل ينبغي لبشر أَن يطاع فِي معصيتي؟ وهل ينبغي لي أَن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دُونَي، وآذن بطاعة لأحد لا تنبغي لأحد إلا لي.

وَأَمَّا قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون مَا يتخيرون، فينقادُونَ للملوك فيتابعونهم عَلَى البدع الَّتِي يبتدعون فِي ديني، ويطيعونهم فِي معصيتي، ويوفون بعهودهم الناقضة لعهدي.

وَأَمَّا أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون، يخوضون مَعَ الخائضين، فيتمنون عَلِي مثل نصري أباءهم، والكرامة الَّتِي أكرمتهم بها، ويزعمون أَنَّهُ لا أحد أولى بِذَلِكَ مِنْهُم [مني] [٣] بغير صدق مِنْهُم، ولا تفكر، ولا يذكرون كَيْفَ كَانَ نصر آبائهم، وكيف كَانَ جهدهم فِي أمري، حين اغتر المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم، فصبروا وصدقوا حَتَّى عز أمري، وظهر ديني، فتأنّيت بهؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني


[١] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري ١/ ٥٤٩.
[٢] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري ١/ ٥٤٩.
[٣] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري ١/ ٥٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>