للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرجعون، فطولت عَلَيْهِم وصفحت عَنْهُم، فأكثرت ومددت لَهُمْ فِي العمر وأعذرت لعلهم يتذكرون، وكل ذَلِكَ أمطر عَلَيْهِم السماء، وأنبت لَهُمُ الأَرْض، وألبسهم العافية، وأظهرهم عَلَى العدو، فلا يزدادُونَ إلا طغيانا وبعدا مني. فحتى مَتَى، أَبِي يتمرسون، أم إياي يخادعون، أم علي يتجرءون، فإني أقسم بعزتي لأقيمن لَهُمْ فتنة يتحير فِيهَا الحكيم، ويضل فِيهَا رأي ذو الرأي، وحكمة الحكيم، ثُمَّ لأسلطن عَلَيْهِم جبارا قاسيا عاتيا، ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرحمة والبيان، يتبعه عد وسواد مثل الليل المظلم [١] ، لَهُ فِيهِ عساكر مثل قطع السحاب، ومراكب مثل العجاج، كأن حفيف راياته طيران النسور، وحجل فرسانه كصوت العقبان [٢] ، يعيدُونَ العمران خرابا، والقرى وحشا، ويبعثون فِي الأَرْض فسادا، ويتبرون مَا علوا تتبيرا، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقون ولا يرحمون، يجولون فِي الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود. فو عزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولأخلين مجالسهم من حَدِيثها ودروسها، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الَّذِينَ كَانُوا يتزينون بعمارتها لغيري، ويتعبدُونَ فِيهَا لكسب الدنيا بالدين، ويتفقهون فِيهَا لغير الدين، ويتعلمون فِيهَا لغير العمل. لأبدلن ملوكها بالعز الذل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالنعمة الجوع، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء، وبلباس الحرير مدارع الوبر، والعباء بالأرواح الطيبة والأدهان جيف القتلى، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأغلال.

ثُمَّ لأعيدن فيهم بَعْد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع، وبعد صهيل الْخَيْل عواء الذئاب، وبعد ضوء السراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار.

ثُمَّ لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار، وبالمشي عَلَى الزرابي عبور الأسواق والأنهار، وبالخدور والستور الحسور عَنِ الوجوه والسوق والأسفار.


[١] في تاريخ الطبري ١/ ٥٥٠ يتبعه عدد الليل المظلم.
[٢] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>