للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا ذكرت من مواساتك، فَإِن ذَلِكَ ارفق لي يومي هَذَا حَتَّى يقضي فينا قضاء.

فجمع نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي من أَهْل المملكة، فَقَالَ لَهُمْ:

هَذَا رجل حَكِيم قَدْ فرج اللَّه بِهِ عني الكرب الَّذِي عجزت عَنْهُ، وإني رأيت أَن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته وأعظموا حقه، فَإِذَا جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال فآثروا حاجته عَلَى حاجتي.

قَالَ: فنزل منه دانيال أفضل المنازل، فجعل تدبير ملكه إِلَيْهِ، فلما رأى ذَلِكَ عظماء أَهْل بابل حسدوا دانيال، فاجتمعوا إلى نصر، فَقَالُوا لَهُ: لَمْ يكن عَلَى الأَرْض ملك أعز من ملكنا، ولا قوم أهيب فِي صدور أَهْل الأَرْض منا حَتَّى دانت لنا الأَرْض، والآن قَدْ طمعوا فينا منذ قلدت ملكك هَذَا العبد الإسرائيلي، فَقَالَ: أتنقموني إني عمدت إِلَى أحكم أَهْل الأَرْض، فاستعنت به.

ثم ان نصر هلك ببعوضة سلطت عَلَيْهِ وملك مكانه ابنه «بلطا» فبطش بطش الجبارين، وَكَانَ يشرب الخمر فِي آنية مَسْجِد بَيْت المقدس الَّتِي غنمها أبوه، فنهاه دانيال ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنك تقتل إِلَى ثلاثة، ويسلب اللَّه ملكك، فدخل بيته وأغلق بابه ودعى أوثق النَّاس عنده، وَقَالَ: الزم عتبة بابي فلا يمر بك أحد فِي هذه الأيام الثلاثة إلا قتلته، وإن قَالَ إني أنا الْمَلِك.

فلما مضت الأيام الثلاثة قام الْمَلِك فخرج من الباب فرحا، فمر بالحارس، فقام الحارس فضربه بالسَّيْف، وَهُوَ يَقُول: أنا الْمَلِك، فَيَقُول: كذبت فقتله.

ورجع بنو إسرائيل إِلَى بَيْت المقدس، فمكثوا بأحسن حال حَتَّى مَات دانيال، ثُمَّ كثرت فيهم الأحداث والبغي، فسلط اللَّه عَلَيْهِم أرطاصوس، فقتل وسبى.

وَهَذَا دانيال من بَنِي إسرائيل، وهو مدفون بالسوس، ولما ففتح أَبُو موسى السوس دل عَلَى جثة دانيال، فقام رجل إِلَى جثته، فكانت ركبة دانيال محاذية رأسه، وليس بدانيال الأكبر، فَإِن ذاك كَانَ بَيْنَ نوح وإبراهيم، وَقَدْ سبق ذكره

.

<<  <  ج: ص:  >  >>