قلت: وبما وصفه النابغة؟ فقال: بقوله:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تقاعس حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يهدي النجوم بآئب [١]
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الهم من كل جانب
قلت: وبما وصفه بشار؟ فقال: بقوله:
خليلي ما بال الدجى لا تزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
أظن الدجى طالت وما طالت الدجى ... ولكن أطال الليل سقم مبرح
أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح
قلت له: يا مولاي، هل لك في شعر قلته لم أسبق إليه؟
كلما اشتد خضوعي ... بجوى بين ضلوعي
ركضت في حلبتي خدي ... خيل من دموعي
قال: فثنى رجله عن بغلته وَقَالَ: هاكها فاركبها، فأنت أحق بها مني. فلما مضى سألت عنه فقالوا: هو حبيب بن أوس الطائي.
وفي حديث آخر: أنه قيل له: من أين تأخذ قولك «وليل المحب بلا آخر» فقال:
وقفت على باب وعليه سائل مكفوف يقول: الليل والنهار على سواء. فأخذت هذا منه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن أبي علي، حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن سليمان الكاتب قَالَ: حدثني أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد المعروف بابن السقا قَالَ: حدثني جحظة قَالَ: قَالَ لي خالد الكاتب: أضقت حتى عدمت القوت أياما، فلما كان في بعض الأيام بين المغرب وعشاء الآخرة إذا بابي يدق فقلت: من ذا؟ فقال: من إذا خرجت إليه عرفته. فخرجت فرأيت رجلا راكبا عَلَى حمار، عليه طيلسان أسود، وعلى رأسه قلنسوة طويلة، ومعه خادم، فقال لي: أنت الذي تقول:
أقول للسقم عد إلى بدني ... حبا لشيء يكون من سببك
[١] في ت جاء هذا البيت مكان (الّذي يليه، وبالعكس» .