وأدخلت الدار فرجعت إلي روحي، فبينا نحن نمشي إذ قالت: وا ويلاه، الخليفة والله فجاءني أعظم من الأول، وسمعت كلام خدم وجوار وهو يقول من بينهم: ويلك يا فلانة أيش في صندوقك؟ أريني هو، فقالت: ثياب لستي يا مولاي والساعة أفتحه بين يديها وتراه، وقالت للخدم: أسرعوا ويلكم، فأسرعوا وأدخلتني إلى حجرة وفتحت عني وقالت: اصعد هذه الدرجة إلى الغرف واجلس فيها، وفتحت بالعجلة صندوقا آخر فنقلت بعض ما كَانَ فيه إلى الصندوق الذي كنت فيه وقفلت الجميع، وجاء المقتدر وَقَالَ: افتحى، ففتحته فلم يرض منه شيئا وخرج، فصعدت إلي وجعلت ترشفني وتقبلني، فعشت ونسيت ما جرى، وتركتني، وقفلت باب الحجرة يومها، ثم جاءتني ليلا فأطعمتني وسقتني وانصرفت، فلما كَانَ من غد جاءتني، فقالت: السيدة الساعة تجيء فانظر كيف تخاطبها. ثم عادت بعد ساعة مع السيدة، فقالت: انزل، فنزلت فإذا بالسيدة جالسة على كرسي وليس معها إلا وصيفتان وصاحبتي، فقبلت الأرض وقمت بين يديها، فقالت: اجلس، فقلت: أنا عبد السيدة وخادمها وليس من محلي أن يجلس بحضرتها، فتأملتني وقالت: ما اخترت يا فلانة إلا حسن الوجه والأدب.
ونهضت فجاءتني صاحبتي بعد ساعة وقالت: أبشر فقد أذنت لي والله في تزويجك، وما بقي الآن عقبة إلا الخروج، فقلت يسلم الله فلما كَانَ من الغد حملتني في الصندوق فخرجت كما دخلت بعد مخاطرة أخرى وفزع نالني، ونزلت في المسجد ورجعت إلى منزلي فتصدقت وحمدت الله على السلامة، فلما كَانَ بعد أيام جاءني الخادم ومعه كيس فيه ثلاثة آلاف دينار عينا، وَقَالَ أمرتني ستي بإنفاذ هذا إليك من مالها، وقالت: تشتري به ثيابا ومركوبا وخدما، وتصلح به ظاهرك وتعال يوم الموكب إلى باب العامة وقف حتى تطلب، فقد وافقت الخليفة أن تزوجك بحضرته، فأجبت عن رقعة كانت معه، وأخذت المال واشتريت ما قالوا بيسير منه، وبقي الأكثر عندي، وركبت إلى باب العامة في يوم الموكب بزي حسن وجاء الناس فدخلوا إلى الخليفة، ووقفت إلى أن استدعيت، فدخلت فإذا أنا بالمقتدر جالس والقواد والقضاة والهاشميون، فهبت المجلس وعلمت كيف أسلم وأقف، ففعلت فتقدم المقتدر إلى بعض القضاة الحاضرين فخطب لي وزوجني، وخرجت من حضرته، فلما صرت في