بعض الدهاليز قريبا من الباب عدل بي إلى دار عظيمة مفروشة بأنواع الفرش الفاخرة، وفيها من الآلات والخدم والأمتعة والقماش كل شيء لم أر مثله قط، فأجلست فيها وتركت وحدي، وانصرف من أدخلني، فجلست يومي لا أرى من أعرفه، ولم أبرح من موضعي إلا إلى الصلاة، وخدم يدخلون ويخرجون، وطعام ينقل، وهم يقولون: الليلة تزف فلانة- باسم صاحبتي إلى زوجها البزاز فلا أصدق فرحا فلما جاء الليل أثر في الجوع، وقفلت الأبواب ويئست من الجارية فقمت أطوف الدار، فوقفت على المطبخ ووجدت الطباخين جلوسا، فاستطعمتهم فلم يعرفوني، وقدرني بعض الوكلاء، فقدموا إلي هذا اللون من الطبيخ مع رغيفين فأكلتهما وغسلت يدي بأشنان كَانَ في المطبخ وقدرت أنها قد نقيت، وعدت إلى مكاني، فلما جن الليل إذا طبول وزمور وأصوات عظيمة، وإذا بالأبواب قد فتحت وصاحبتي قد أهديت إلي، وجاءوا بها فجلوها عَلي وأنا أقدر أن ذلك في النوم فرحا، وتركت معي في المجلس وتفرق الناس.
فلما خلونا تقدمت إليها فقبلتها وقبلتني فشمت لحيتي فرفستني فرمت بي عن المنصة، وقالت: أنكرت أن تفلح يا عامي يا سفلة، وقامت لتخرج، فقمت وعلقت بها وقبلت الأرض ورجليها، وقلت: عرفيني ذنبي واعملي بعده ما شئت، فقالت: ويحك أكلت فلم تغسل يدك، فقصصت عليها قصتي، فلما بلغت إلى آخرها قلت: عَلي وعلي فحلفت بطلاقها وطلاق كل امرأة أتزوجها، وصدقة مالي وجميع ما أملكه والحج ماشيا على قدمي، والكفر باللَّه، وكل ما يحلف المسلمون به لا أكلت بعدها ديكيريكة إلا غسلت يدي أربعين مرة، فأشفقت وتبسمت وصاحت يا جواري، فجاء مقدار عشر جوار ووصائف، وقالت: هاتوا شيئا نأكل، فقدمت ألوان طريفة وطعام من أطعمة الخلفاء، فأكلنا وغسلنا أيدينا ومضى الوصائف، ثم قمنا إلى الفراش فدخلت بها وبت بليلة من ليالي الخلفاء، ولم نفترق أسبوعا، وكانت يوم الأسبوع وليمة هائلة اجتمع فيها الجواري، فلما كَانَ من غد قالت: إن دار الخلافة لا تحتمل المقام فيها أكثر من هذا فلولا أنه استؤذن فأذن بعد جهد لما تم لنا هذا لأنه شيء لم يفعل قبل هذا مع جارية غيري لمحبة سيدتي لي، وجميع ما تراه فهو هبة من السيدة لي، وقد أعطتني خمسين ألف دينار من عين وورق وجوهر ودنانير وذخائر لي خارج القصر كثيرة من كل لون،