للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالثغر أن أسارى المسلمين في بلد الروم كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنفا ملك الروم حدثان/ منهم، فعسفا الأسارى، وأجاعاهم، وأعرياهم، وعاقباهم، وطالباهم بالتنصر، وأنهم في عذاب شديد، ولا حيلة لي في هذا والخليفة لا يساعدني، فكنت أنفق الأموال وأجهز الجيوش إلى القسطنطينية فقلت: ها هنا أمر سهل يبلغ به الغرض، فقال: قل يا مبارك! قلت: إن بأنطاكية عظيما للنصارى يقال له: البطرك، وبالقدس آخر يقال له: الجاثليق، وأمرهما ينفذ على الروم وعلى ملوكهم، والبلدان في سلطاننا، والرجلان في ذمتنا، فيأمر الوزير بإحضارهما، ويتقدم إليهما بإزالة ما تجدد على الأسارى، فإن لم يزل لم يطالب بتلك الجريرة غيرهما، فكتب يستدعيهما، فلما كان بعد شهرين جاءني [١] رسوله، فجئت فوجدته مسرورا فقال: جزاك الله عن نفسك ودينك وعني خيرا، كان رأيك أبرك رأي وأسده، هذا رسول العامل قد ورد، وقال له:

خبر بما جرى، فقال: أنفذني العامل مع رسول البطرك والجاثليق إلى القسطنطينية، وكتبا إلى ملكيها أنكما قد خرجتما بما فعلتما عن ملة المسيح عليه السلام، [٢] وليس لكما الإضرار بالأسارى، فإنه يخالف دينكما وما يأمركما به المسيح عَلَيْهِ السلام [٣] فإما زلتما عن هذا الفعل وإلا حرمناكما، ولعناكما على هذين الكرسيين، فلما وصلنا إلى القسطنطينية حجبنا أياما، ثم أوصل الرسولان إليهما واستدعياني، فقال الترجمان:

يقول لكما الملكان: الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى كذب وتشنيع، وقد أذنا لك في [٤] دخولك لتشاهدهم على ضد ما قيل، وتسمع شكرهم لنا فدخلت فرأيت [٥] الأسارى، وكأن وجوههم قد خرجت من القبور، تشهد بما كانوا فيه من الضر، ورأيت ثيابهم جميعًا جددا فعلمت أني حجبت تلك الأيام لتغيير حالهم. فقال لي الأسارى: نحن شاكرون للملكين فعل الله بهما وصنع، وأومأ إلى بعضهم أن الذي بلغكم/ كان صحيحا، إنما خفف عنا لما حصلتم ها هنا، فكيف بلغكم أمرنا؟ فقلت: ولي الوزارة علي بن عيسى،


[١] في باقي النسخ: «بعد شهر جاءني» .
[٢] في باقي النسخ: «عن ملة عيسى عليه السّلام» .
[٣] «عليه السّلام» سقطت من باقي النسخ.
[٤] في باقي النسخ: «وقد أذنا في دخولك» .
[٥] في باقي النسخ: «فحملت فرأيت» .

<<  <  ج: ص:  >  >>