للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدب العرب، وخلقه كخلقهم لنشأته بينهم، واجتمعت كلمتهم وكلمة العامة عَلَى صرف الملك عَنْ بهرام إِلَى رجل من عترة أردشير بْن بابك يقال له: كسرى، فلم يعتموا حَتَّى ملكوه [١] ، فانتهى إِلَى بهرام هلاك أبيه يزدجرد وتمليكهم كسرى وهو ببادية العرب فدعا بالمنذر والنعمان ابنه وناس من علية [٢] العرب، وَقَالَ لهم: لا أحسبكم تجحدون خصيصي والدي، [كان] [٣] أتاكم معشر العرب بإحسانه وإنعامه مع فظاظته [٤] وشدته عَلَى الفرس، وأخبرهم بالذي أتاه من نعي أبيه، وتمليك الفرس من ملكوا.

فَقَالَ المنذر: لا يهولنك ذلك حَتَّى ألطف الحيلة فيه. وإن المنذر جهز عشرة آلاف رجل من فرسان العرب، ووجههم مع ابنه إِلَى مدينتين للملك، وأمره أن يعسكر قريبا منهما، ويدمن إرسال طلائعه [٥] إليهما، فإن تحرك أحد لقتاله قاتله وأغار عَلَى ما والاهما، وأسر وسبى، ونهى عَنْ سفك دم.

فسار النعمان حَتَّى نزل قريبا من المدينتين، ووجه طلائعه إليهما، واستعظم قتال الفرس، وإن من بالباب [٦] من العظماء وأهل البيوتات أرسلوا جواني صاحب رسائل يزدجرد إِلَى المنذر، وكتبوا إليه يعلمونه أمر النعمان، فلما ورد جواني عَلَى المنذر وقرأ الكتاب الَّذِي كتب إليه، قَالَ له: الق الملك بهرام، ووجه معه من يوصله إليه. فدخل جواني على بهرام فراعه ما رأى من وسامته وبهائه، وأغفل السجود دهشا، فعرف بهرام أنه إنما ترك السجود لما راعه من روائه، فكلمه بهرام، ووعده من نفسه أحسن الوعد، ورده إِلَى المنذر، وأرسل إليه أن يجيب فِي الذي كتب، فَقَالَ المنذر لجواني: قد تدبرت الكتاب الذي أتيتني بِهِ، وإنما وجه النعمان إِلَى ناحيتكم الملك بهرام حيث ملكه اللَّه بعد أبيه، وخوله إياكم.

فلما سمع جواني مقالة المنذر، وتذكر ما عاين من رواء بهرام وهيبته عند نفسه، وأنّ جميع من شاور فِي صرف الملك عَنْ بهرام مخصوم محجوج، قَالَ للمنذر: إني لست محيرا جوابا، ولكن سر إن رأيت إِلَى محلة الملوك فيجتمع إليك من بها من


[١] في الطبري ٢/ ٧٢: «فلم يقيموا أن ملكوه» .
[٢] في الأصل: «غليمه» .
[٣] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[٤] في الأصل: «فضاضته» .
[٥] في ت: «طوالعه» .
[٦] في ت: «من الباب» .

<<  <  ج: ص:  >  >>