للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي وإلى هاهنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع ما لي فيه راحة فقد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي ليلا ولا نهارا، ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا.

قال محمد: واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك، فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض، قال محمد بن الحسن: فاخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال:

عدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له: فما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فاذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، فقال: وما هي؟

قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب/ من ذمام الطلب عندي. فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته، فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا. فقلت له: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض.

قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت له: فقم الآن. قال: لست والله أفعل ولكن غدا.

فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم، فانصرفت إلى أحمد بن كليب فاخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسه، فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد.

فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي، وما أدري كيف أطيق ذلك؟.

قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك [لي] [١] قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال لي: يا سيدي الساعة والله أموت وما استطيع أن انقل قدمي ولا استطيع أن أعرض هذا على نفسي. فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال: ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>