للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متشاغلا بجمع الغلات والتمور وحطها في السفن ليصعد بها إلى بغداد، مستهينا بالأمور إلى أن ورد عليه الخبر بانحدار أهله وولده، ودخول الغز، فأصعد إلى النعمانية بالسفن التي جمع فيها الغلات، فورد عليه الخبر بدخول السلطان بغداد، فكاتب ابن مزيد ليجمع العرب، ولم يتصور أن السلطان نيته الانحدار، فجاء ابن مزيد إلى نصف الطريق ثم عاد ثم جاء ثم عاد خوفا وخورا، فانحدر البساسيري إليه وكان قد وكل بأبي منصور بن يوسف، فأزال ابن مزيد التوكيل عنه وقال له: هذا وقت التقبيح. وكان البساسيري شاكا في ابن مزيد مستشعرا منه، إلا أن الضرورة قادته إليه.

وعلمت العرب أن السلطان نيته قصدهم وبوادي [١] الشام، فتفرقوا ولم يشعروا إلا بورود السرية [٢] اليهم، وذلك في يوم السبت ثامن ذي الحجة من طريق الكوفة، فقال البساسيري لابن مزيد: الرأي كبسهم الليلة، فإنهم قد قدموا على كلال وتعب. فامتنع وقال: نباكرهم غدا.

فراسل أنوشروان ابن مزيد والتمس الاجتماع معه، فالتقى به فقال له أنوشروان:

إن عميد الملك يقرئك السلام ويقول لك: قد مكنت في نفس السلطان من أمرك ما جعلت لك فيه المحل اللطيف، والموقع المنيف، وشرحت له ما أنت عليه من الطاعة والولاء، ويجب أن تسلم هذا الرجل، ويسلم كل من في صحبتك، فما الغرض سواه، ولا القصد يتعداه، لما اقترف من/ عظيم الجرم، وإن امتنعت واحتججت ٢٩/ أبالعربية وذمامها وحرمة نزوله عليك فانصرف عنه ودعنا وإياه.

فقال: ما أنا إلا خادم للسلطان مطيع، إلا أن للبدوية حكمها، وقد نزل هذا الرجل على نزولا، وما آثرته ولا اخترته، بل كرهته، وقد طال أمر هذا الرجل، والصواب أن نشرع [٣] في صلاح حاله واستخدامه.

فقال أنوشروان: هذا هو الصواب، ونحن نبعد عنكم مرحلة وتبعدون عنا مثلها


[١] في الأصل: «ولوالي» .
[٢] في ص: «سرية» .
[٣] في ص: «نشرح» .

<<  <  ج: ص:  >  >>