المملكة، وخلا وجمع زواريق، وطرح فيها رحلة ليعبر فهرب، فجاءت في الليل ريح شديدة جدا، وسيل عظيم، وطفح الماء من البرية إلى الحريم، وطغى على أسوار المحال فهدمها، ونزل من فوقها وأسفل منها، وصعد من تحت الأرض، وقلع الطوابيق، ونبع من الآبار والبلاليع فرماها في ليلتها فصارت تلالا عالية، ثم صبح دار الخلافة ففعل بأكثرها مثل ذلك، وكان قد دخلها من بيت النوبة ومن سور باب الغربة، ثم من باب النوبي وباب العامة والجامع، فهرب الخدم والخواص متحيرين، والمطر يأتي من فوق، وخرج الماء على الخليفة من تحت السرير الذي كان جالسا عليه، فنهض إلى الباب فلم يجد طريقا، فحمله أحد الخدم على ظهره إلى التاج، وخرج الجواري حاسرات، فعبرن إلى الجانب الغربي، وأقيم في الدار أربع ركاء، وحطت إليها الأموال والحرم، ولبس الخليفة البردة، وأخذ بيده القضيب ولم يطعم يومه وليلته.
وأما الوزير فخر الدولة فإنه دخل عليه الماء في داره بباب العامة، فركب وخاض بالفرس/ إلى حضرة الخليفة، فاستأذن فيما يفعل فقيل له: اطلب لنفسك مخلصا قبل ٧٧/ ب أن لا تجده، فمضى إلى الطيار على باب الغربة، فأقام فيه، وجاءه الملاح بثلاثة أرغفة يابسة وخل، فأكل واستلقى على البارية.
وهلك من أموال الناس تحت الهدم الكثير، وتلف من سكان درب القباب الجم الغفير، وهرب الناس إلى باب الطاق، ودار المملكة، وتلال الصحراء العالية، والجانب الغربي على تخبيط شديد، وتضنك قبيح، وجاء الماء من البرية كالجبال يهلك ما مر به من إنس ووحش، وجاء على رأس الماء في الأبواب والأخشاب والآلات والحباب شيء كثير، وشوهد على تل في وسط الماء سبع ويحمور واقفين، وهلك من الوحوش ما لا يحصى، وصعد بعضها الردافي فصعد السوادية سباحة فأخذوها.
وجاء الخبر من الموصل أن الماء ورد في البرية كالجبال، فلطم سور سنجار وكان حجرا فهدم قطعة منه، ودحا بأحد بابيه أربعة فراسخ، ووقعت آدر [١] بباب المراتب منها دار ابن جردة، وكانت تشتمل على ثلاثين دارا، وعلى بستان، وحمام يساوي عشرات
[١] آدر: جمع «دار» [انظر لسان العرب صفحة ١٤٥٢ (دور) ] .