للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طل الدم، وأوذيت من دولة النظام بالطلب والحبس، فيا من خسرت الكل لأجله لا تخيب ظني فيك، وعصمني الله من عنفوان الشبيبة بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت ملعابا ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم.

وأفتى ابن عقيل ودرس، وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة الكبار، وجمع علوم الأصول والفروع، وصنف فيها الكتب الكبار، وكان دائم الاشتغال بالعلم حتى إني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصرى عن مطالعة أعمل فكري في حال [١] راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين.

وكان له الخاطر العاطر والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى «بالفنون» مناظرا لخواطره وواقعاته، ومن تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل، وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة، فلما كانت سنة خمس وسبعين/ وأربعمائة جرت فيها فتن بين ٧٤/ ب الحنابلة والأشاعرة فترك الوعظ واقتصر على التدريس، ومتعه الله بسمعه وبصره وجميع جوارحه.

قال المصنف: وقرأت بخطه، قال: «بلغت لاثنتي عشرة سنة وأنا في سنة الثمانين وما أرى نقصا في الخاطر والفكر والحفظ وحدة النظر وقوة البصر لرؤية الأهلة الخفية إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة» .

وكان ابن عقيل قوى الدين، حافظا للحدود، ومات ولدان له فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجد فلم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه فكانت بمقدار كفنه وقضاء دينه، وكان إذ طال عمره يفقد القرناء والإخوان. [٢] قال المصنف رحمه الله: فقرأت بخطه: رأينا في أوائل أعمارنا أناسا طاب العيش


[١] في الأصل: «أعملت فكري» .
[٢] في الأصل: «طال عمره لفقدان القرناء والإخوان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>