للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصراني قربته فارغة، فلما توسط المفازة أصاب القربه سهم فنفد ما فيها، فقعدا يتلاومان، فمر بهما رجل معه ماء، فقالا: احتسب علينا شربة من ماء، فَقَالَ: هَذَا طريق ليس فِيهِ حسبه، قالا له: فما دينك؟ قَالَ: فما دينكما أنتما؟ قالا: فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني فَقَالَ: اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما فِي كتابه واتكل عَلَى الطمع لقي ما لقيتما، فقالا: هَذَا رجل حازم، قَالَ: ما يغني عنكما حزمي. فينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم فِي أمر آخرته كما يأخذ بالحزم فِي أمر دنياه ولا يتكل عَلَى الطمع.

ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة، يستترون من الخلق دون الخالق، كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير؟ قالوا: كيف كان ذلك؟ قَالَ: زعموا أن رجلا كان يبيع العسل والزيت والسمن، يشتريه نقيا ويبيعه مغشوشا، وكان ذا لحية عظيمة، وكان أكثر من يراه يقول: لو كنت أسقفا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة، فأقبل عَلَى تعلم الإنجيل والمزامير/ وترهب طلبا للدنيا [١] ، فولوه أمرهم فنقص أرزاقهم، وغير مراتبهم، وتفرغ للذته، فانتدب له سياط، فجعل يلوم الرهبان ويقول: هَذَا ما عمل بكم حسن نظركم فِي طول اللحى، ثم آل أمره إِلَى أن أحرق.

ولقد عجبت لأهل المصائب كيف [لا] [٢] يستعينون بالصبر، وإنه سيأتي عَلَى صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه مثل ما يتمنى الأعمى فِي مصيبته.

قالوا: وما تمنى الأعمى؟ قَالَ: زعموا أن تاجرا دفن مائة دينار فِي موضع فبصر بها جار لَهُ فأخرجها وأخذها، فلما فقدها التاجر جزع، ثم طال به العمر فعمي واحتاج، فلما حضرت جاره الوفاة أوصى برد المال إِلَى الأعمى، فسر سرورا شديدا إذ رد إليه المال أحوج ما كَانَ إليها، فَقَالَ: ليت كل ما لي قبض يومئذ. وكذلك من له عمل صالح.

ولقد عجبت من فقد عقولهم، كيف لا يعملون بما يعلمون، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب السيل، قالوا: وكيف كان ذلك.


[١] في الأصل: «وترهبن طلبا للدنيا» . وما أوردناه من ت.
[٢] ما بين المعقوفتين: من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>