أيام ولدت أنك تموت غريقا، قَالَ: فما أخبرك أني أصيب مالا؟ قَالَ: بلى لذلك نهيتك عَنِ التجارة والتمست لك عملا تعيش فيه يوما بيوم، قَالَ: أتجر، وإن عشت عشت بخير، وإن مت تركت أولادي بخير، قَالَ: يا ولدي لا يكونن ولدك آثر عندك من نفسك.
فعمل سفينة وركب فيها بتجارة فغاب سنة، ثم قدم بمائة قنطار ذهبا، فحمد اللَّه والده وَقَالَ: يا بني، إني كنت نذرت للَّه تعالى إن ردك سالما أن أحرق السفينة، قَالَ: لقد أردت هلاكي، قَالَ: إنما أردت حياتك، فاقبل عَلَى الشكر فقد أصبت غنى الدهر، فلم يقبل، وخرج فغاب سنة وبعض أخرى، فقدم بأضعاف ما قدم به أو لمرة، فَقَالَ لأبيه: لو كنت أطعتك لم أصب هَذَا المال، قَالَ: يا بني إنما أراك تعمل لغيرك وسيجرعك ما ترى غصه فتتمنى لو كان بينك وبين هَذِهِ البلدة جبال المشرق، قَالَ: يا أبت أرجو أن يكون المنجم أصاب فِي الغنى وأخطأ فِي الغرق. ثم صنع سفينة أخرى، فبكى أبوه، فرق لذلك وَقَالَ: يا أبت، والله لئن ردني اللَّه سالما لا ركبت بحرا ما عشت، قَالَ: يا بني، اليوم أيقنت تفقدك. فمضى، فلما توسط البحر أصابه موج فضربت إحدى سفينته الأخرى فانصدعتا فغرقتا، فجعل يتأسف عَلَى عصيان أبيه وهلك ومن معه، فبلغ الخبر أباه فكمد حَتَّى هلك، وقسم الميراث عَلَى امرأة التاجر وابنه وابنته، فتزوجوا وصار ذلك المال إِلَى أزواجهن، فكل ما يجمع الأشقياء إِلَى ذلك يصير.
ولقد عجبت للمؤثر عَلَى نفسه المؤثر غيره، ويحك ما تبلغ بالكفاف لا تؤثر غيرك فتلقى ما لقي صاحب الحوت، قالوا: ما لقي؟ قَالَ: زعموا أن صياد سمك أصاب/ فِي صيده حوتا عظيما، فَقَالَ: ما أحد أحق بأكله مني، ثم بدا له فأهداه إِلَى جاره، فأهداه الجار إِلَى مقعد مسكين، فجعل الصياد يندم ويقول: حرمته نفسي وصار إِلَى أعدى الناس لي.
ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غر العقلاء والجهال حَتَّى هلكوا جميعا بالرجاء والطمع كَمَا هلك اليهودي والنصراني، قالوا: وكيف كان ذلك؟ قَالَ: اصطحب يهودي ونصراني إِلَى أرض فصارا فِي عمران ومياه إِلَى أن انتهيا إِلَى بئر وراءها مفازة مسيرتها أربعة أيام، ومع كل واحد منهما قربته، فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته، فَقَالَ له اليهودي: تكفينا قربتنا هَذِهِ ولا ننقل دوابنا، فَقَالَ النصراني: أنا أعلم بالطريق، فَقَالَ اليهودي: تريد إلا أن تشرب الماء كلما عطشت؟ قَالَ: نعم، فترك