للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثقال، فلزمه الطمع وَقَالَ: لقد [١] غير الدهر طبع هَذِهِ الحية ولا أحسب سمها إلا قد تغير، فجعل يتعاهد حجرها بالكنس والبخور ورش الماء، وعمد إِلَى ما كان عنده من الذهب فعمل منه حقا فجعل فيه ذلك الدرر وجعل الحق تحت رأسه، فبينما هو ذات ليلة نائم ذهبت إليه فنهشته، فجعل يستغيث بصوت عال، فأقبل عَلَيْهِ أهله وجيرانه يلومونه، فأخرج إليهم الحق وأراهم ما فيه، فقالوا: ما أقل غنا هَذَا عنك اليوم، فهلك، فقالوا: أبعده اللَّه، هو قتل نفسه.

قَالَ: ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربنا له هَذِهِ الأمثال ولا ينتفعون بالمعرفة [٢] ، ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم، قالوا: وكيف كان ذلك؟

قَالَ: زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب، متصل الشجر، فاستأجر لكشح الكرم وقطفه ثلاثة، ووكل كل رجل بناحية، وَقَالَ: كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عَنْ هَذِهِ الثمار. فأخذ أحدهم عَلَى حفظ ما أمر به وقبع يأكل العنب وحده، وفعل الآخر مثل ذلك حينا ثم تاقت نفسه إِلَى الثمار فتناولها، وأقبل الثالث عَلَى أكل الثمار وترك العمل ففسدت ناحيته، فقدم صاحب الكرم، فحمد الأول وأعطاه فوق أجره، وعاقب الثاني بقدر ذنبه، وبالغ فِي عقوبة الثالث. فهكذا أعمالكم فِي الآخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت.

قَالَ: ولقد عجبت لأهل الأمل وطمعهم فِي طول العمر، ووجدت أعدى الناس الأولاد، استكثر الآباء لهم وأتعبوا أنفسهم فِي إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم كصاحب السفينة، قالوا: كيف كَانَ ذلك؟

قَالَ: زعموا أنه كان رجل نجار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهما، ينفق نصفه عَلَى أب له شيخ كبير وامرأة له وابن وبنت، ويدخر لنفسه نصفه، فعمل زمانا وعاش بخير، فنظر يوما فإذا هو قد استفضل/ مائة دينار، فَقَالَ: لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر رجوت أن أتمول، فَقَالَ له أبوه: لا تفعل، فإن رجلا من المنجمين أخبرني


[١] تكررت لفظة: «لقد» .
[٢] في الأصل: «بها» وما أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>