للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ما اللذات؟ قَالَ: المال، والبنون، والأزواج، والسلطان [١] ، فقطعتهن بالهموم والأحزان والخوف وذكر الموت. وقطعت ذلك أجمع بالعزلة، وأي خير في لذة والموت يعقبها، كونوا كرجل خرج مسافرا فغشي مدينته العدو فأصابوا أهلها، فحمد الله على ما صرف/ عنه [٢] ، [ولقد عجبت كيف ينتفعون بلذتها مع همومها وأحزانها وما تجرعهم] [٣] من مرارتها بعد حلاوتها، واشتد عجبي من أهل العقول، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب الحية، قالوا: أَخْبَرَنَا كيف كان أمر صاحب الحية؟

قَالَ: زعموا أن رجلا كان فِي داره حية قد عرفوه مكانها، وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب، فخرجت يوما فنهشت عنزا لهم حلوبا فهلكت، فجزع الرجل وأهله، وَقَالُوا: الذي نصيب من الحية أفضل من ثمن العنز، فلما كان رأس الحول غدت عَلَى خمار فنهشته فقتلته، فجزع الرجل وَقَالَ: سنصبر عَلَى هَذِهِ الآفات ما لم تعد البهائم. ثم مر عامان لا تؤذيهم وهم مسرورون بجوارها إذ عدت عَلَى عَبْد الرجل فنهشته فهلك، فجزع وَقَالَ: ما آمن أن يلسع بعض أهلي فمكث حزينا خائفا وَقَالَ: أرى سم هَذِهِ الحية فِي مالي وأنا أصيب منها أفضل مما رأيت. فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى نهشت ابن الرجل، فارتاع ودعا بالدرياق وغيره فلم يغن عَنْهُ، وهلك الغلام، فاشتد جزع والديه ونسيا كل لذة أصاباها وَقَالَا: لا خير لنا فِي جوار هَذِهِ الحية، والرأي قتلها.

فلما سمعت الحية ذلك تغيبت عنهم أياما لا يرونها ولا يصيبون من بيضها، فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إِلَى ما كانا يصيبان منها، فأقبلا عَلَى حجرها وجعلا يقولان:

ارجعي ولا تضرينا ولا نضرك، فرجعت فمكثت عامين لا ينكرون منها شيئا، ثم دنت إِلَى امرأة الرجل فنهشتها، فصاحت، فثار زوجها يعالجها بالدرياق فلم يغن عنها، وهلكت المرأة، فبقي الرجل كئيبا، وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده، فأشاروا عَلَيْهِ بقتلها، وَقَالُوا: لقد فرطت فِي أمرها حين تبين لك غدرها، ولقد كنت مخاطرا بنفسك، فعزم عَلَى قتلها. فبينا هو يراصدها [اطلع فِي] [٤] حجرها، فرأى فيه درة/ صافية وزنها


[١] «بخصال أربع ... والسلطان» : سقطت من ت.
[٢] في الأصل: «عنهم» .
[٣] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[٤] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>