للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَظْهَرَنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ مَا نَحْنُ بِأَشَّدَ حُبًّا لَكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ الله تعالى بهم، يناصحونك ويجاهدون معك.

فدعى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَارِبُكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرُكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» .

فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام عَلَى فرس له، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دعوهم» . فما شرب منهم رجل إلا أسر أو قتل إلا حكيم بن حزام، فإنه نجا على فرس له، ثم أسلم، فكان يقول إذا حلف:

لا والذي نجاني يوم بدر.

فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه نحو العسكر، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين، فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع فقال: ما رأيت شيئا، ولكني قد رأيت يا معشر قريش الولايا [١] تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجالا، فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك، فردوا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، هل لك في أن لا تزال تذكر بخير [إلى آخر] [٢] الدهر؟ قال:

وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك [٣] عمرو بن الحضرمي. قال:

قد فعلت. أنبأنا/ الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة


[١] في أ: «رأيت معشر قريش الولايا» وفي ابن كثير «قريش البلايا» .
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[٣] في ابن هشام: «وتحمل أمر حليفك» .

<<  <  ج: ص:  >  >>