للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يده قدح [١] يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية وهو/ مستنتل [٢] من الصف، فطعن في صدره بالقدح [٣] ، وقال: «استويا سواد» فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني [٤] . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد» فاعتنقه وقبل بطنه فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» . فقال: حضر ما ترى، فلم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم عدل الصفوف، ورجع إلى العريش يناشد ربه وما وعده من النصر، فخفق [٥] رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش خفقة ثم انتبه فقال: «يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» [٦] .

ثم خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم [إلى الناس] [٧] يحرضهم ونفل كل امرئ منهم ما أصاب، وقال: «والّذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة» .

فقال عمير بن الحمام- وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ [٨] ، فما بيني وبين [أن أدخل] [٩] الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء! ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل [١٠] ، وهو يقول:

ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد

غير التقى والبرّ والرّشاد


[١] القدح: السهم.
[٢] في الأصل: «متبتل» ، وما أوردناه من أ، والطبري ومستنتل: متقدم. وقال ابن هشام: «يقال مستنصل»
[٣] في الطبري: «فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح» .
[٤] أقدني: أي اقتص لي من نفسك.
[٥] خفق: نام نوما عميقا.
[٦] النقع: التراب.
[٧] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري
[٨] بخ، بكسر الخاء وإسكانها كلمة تقال للإعجاب.
[٩] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[١٠] الخبر إلى هنا في سيرة ابن هشام ١/ ٦٢٧، وهو أيضا في الأغاني ٤/ ١٩٢، ١٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>