للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نزل مما يلي الفرات، ودعا أهل الحيرة، فقال: فرحتم بدخول العرب [علينا] بلادنا، وكنتم عونا لهم علينا، وقويتموهم بالأموال، فقالوا: والله ما فرحنا بمجيئهم، وما هم عَلَى ديننا، وأما قولك: كنتم عونا لهم، فما يحوجهم إلى ذلك وقد هرب أصحابكم منهم وخلوا لهم القرى [١] ، وقولك: «قويناهم بالأموال» ، فإنا صانعنا [هم بالأموال] عن أنفسنا.

فارتحل رستم فنزل النجف، وكان بين خروجه من المدائن إلى أن لقي سعدا أربعة أشهر لا يقدم ولا يقاتل، رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم، فطاولهم والملك يستعجله، وعهد عمر إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم وأعدوه للمطاولة.

وكان عمر يمدهم، وقال بعض الناس لسعد: قد ضاف بنا المكان فأقدم، فزبره وقال: إذا كفيتم الرأي فلا تكلفوه، وخرج سواد وحميضة في مائة مائة، فأغاروا على النهرين، وقد كَانَ سعد نهاهما أن يمعنا، وبلغ ذلك رستم، فبعث خيلا، فبعث سعد إليهم قوما فغنموا وسلموا. [٢] ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يحرسه وينظر.

فلما أدبر الليل أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر، فإذا فرس لهم [٣] لم ير في خيل القوم مثله، فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرمك فرسه، فخرج يعدو، ونذر به [الرجل] [٤] والقوم، فركبوا الصعب والذلول وخرجوا في طلبه، فلحقه فارس، فعدل إِلَيْهِ طليحة فقصم ظهره بالرمح، ثم لحق به آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر فكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسار فاستأسر، فجاء به إلى سعد فأخبره الخبر، فقال للأسير: تكلم، فقال: قد باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها، ما رأيت ولا سمعت بمثل هذا، أن رجلا قطع عسكرين لا


[١] في الأصل: «وقد خلوا القرى أصحابك وهربوا» .
[٢] تاريخ الطبري ٣/ ٥١٣.
[٣] في الأصل: «فإذا فرس له» .
[٤] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>