للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه مقاتله، ثم اني هاز الثلاثة فَمُكَبِّرٌ فَكَبِّرُوا، وَحَامِلٌ فَاحْمِلُوا، وَمُسْتَنْصِرٌ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ [١] فَاسْتَنْصِرُوا اللَّهَ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَدْ فَهِمْنَا مَا أَمَرْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ عِنْدَ رَأْيِكَ، وَمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِكَ، وَأَيُّ النَّهَارِ تُرِيدُ، أَوَّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ فَقَالَ: لا أُرِيدُ أَوَّلَهُ وَلَكِنْ أُرِيدُ آخِرَهُ، فَإِنَّ فِيهِ تَهُبُّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلُ النَّصْرَ مِنَ السَّمَاءِ لِمَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ هَزَّ الرَّايَةَ فَتَعَاهَدَ النَّاسُ حُزُمَ دَوَابِّهِمْ وَخُيُولِهِمْ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ هَزَّهَا الثَّانِيَةَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ وَثَبَ الرِّجَالُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَوَضَعَ/ كُلُّ رَجُلٍ رُمْحَهُ بَيْنَ أُذُنَيْ فَرَسِهِ، وَشَدَّتِ الرِّجَالُ مَنَاطِقَهَا وَأَقْبِيَتَهَا عَلَى ظُهُورِهَا وَحَسَرُوا عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَأَخَذُوا السُّيُوفَ بِأَيْمَانِهِمْ، ثُمَّ كَبَّرَ الثَّالِثَةَ وَهَزَّ الرَّايَةَ ثُمَّ صَوَبَّهَا كَأَنَّهَا جَنَاحُ طَائِرٍ، ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ النُّعْمَانُ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَأَتَى عَلَيْهِ أَخُوهُ وَهُوَ قَتِيلٌ، فَطَرَحَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ لِئَلا يُعْرَفَ، وَرَفَعَ الرَّايَةَ فَإِذَا هِيَ تَنْضَحُ بِالدِّمَاءِ، وَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُّوَ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَتَى السَّائِبُ بْنُ الأَقْرَعِ بِالْغَنَائِمِ مِثْلِ الآكَامِ، ثُمَّ أَتَاهُ دِهْقَانُ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ السَّائِبُ بْنُ الأَقْرَعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ غَنَائِمِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تُؤَمِّنَنِي عَلَى دَمِي وَعَلَى دَمِ ذَوِي قَرَابَتِي وَأَدُلُّكَ عَلَى كَنْزِ النخيرجانِ؟ قَالَ: وَيْحَكَ إِنَّكَ تَسْأَلُنِي الأَمَانَ عَلَى دِمَاءِ قَوْمٍ لا أَدْرِي لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَمَّةً كَثِيرَةً وَلا أَدْرِي مَا كَنْزُكَ، قَالَ: هُوَ كَنْزُ النخيرجان، أَنَّهُ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ يَنْتَابَهَا الْعَالَمُ، وَأَنَّ كِسْرَى كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا يَزُورُهَا وَمَعَهُ وَصَائِفُ عَلَيْهِنَّ الْمَنَاطِقُ الْمُفَضَّضَةُ وَأَقْبِيَةُ الدِّيبَاجِ، وَكَانَ لِكِسْرَى تَاجٌ يَاقُوتٌ، وَذَلِكَ التَّاجُ وَالْحُلِيُّ مَدْفُونٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرِي، فَانْطَلِقْ حَتَّى أَدُلُّكَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لِعُمَرَ لا حَقَّ فِيهِ لأَحَدٍ، لأَنَّهُ دُفِنَ دَفَنُوهُ وَلَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهِ فِي الْحَرْبِ، فَأَخَذَ السَّائِبُ الْمِعْوَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ قَلْعَةً، فَإِذَا هُمْ بِصَخْرَةٍ، فَقَالَ: اقْلَعُوهَا فَقَلَعُوهَا فَإِذَا تَحْتَهَا سَفَطَانُ فَفَتَحَهُمَا، فَرَأَى فِيهِمَا السَّائِبُ شَيْئًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، وَخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ السَّائِبُ: فَكَتَمْتُهُ النَّاسَ، وَأَسْرَعْتُ بِهِ السَّيْرَ إِلَى عُمَرَ حَتَّى قَدِمْتُ بِهِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي نَادَانِي مِنْ بَعِيدٍ: ويحك ما وراءك، فو الله مَا بِتُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَمَا أَتَتْ لَيْلَةٌ بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهَا. قَالَ السَّائِبُ:

فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ، الْتَقَيْنَا بِنَهَاوَنْدَ ... وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ إِلَى قَتْلِ النُّعْمَانِ.

[فَقَالَ عمر: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يَرْحَمُ اللَّهُ النُّعْمَانَ، يَرْحَمُ اللَّّهُ النُّعْمَانَ، يَرْحَمُ الله


[١] في الأصل: «مستنصر باللَّه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>