للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قَالَ [المستورد] : انطلق بهذا الكتاب إلى سماك، فادفعه إليه واحفظ ما يقول لك، والقني.

فقلت له: أصلحك الله، لو أمرتني أن أستعرض دجلة فألقي نفسي فيها ما عصيتك، ولكن ما آمن أن يتعلق بي سماك فيحبسني عنك، فإذا أنا قد فاتني ما أرجو من الجهاد. فتبسم وقَالَ: يا ابن أخي، إنما أنت رسول والرسول لا يعرض له ولو خشيت ذلك عليك لم أبعثك. فخرجت حتى عبرت إليهم فِي معبر، فقالوا: من أنت؟ فقلت:

رسول أمير المؤمنين المستورد، فلما وصلت إلى سماك أريته الكتاب، قَالَ: اذهب إلى صاحبك فقل له: اتق الله وارجع عن رأيك هذا، وادخل فِي جماعة المسلمين، ثم قَالَ لأصحابه: إنهم خلوا بهذا. فأخذوا يقرءون عليه القرآن، ويتخشعون [١] ويتباكون، فظن أنهم على شيء، ثم قَالَ: انطلق يا بني إلى صاحبك، إنما تندم لو قد اكتنفتكم الخيل، وأشرعت فِي صدوركم الرماح، هناك تمنى أنك كنت فِي بيت آبائك [٢] .

فانصرفت من عنده إلى صاحبي، فأخبرته، فقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ٢: ٦- ٧ [٣] .

فمكثنا يومين أو ثلاثة، فاستبان لهم مسير معقل بن قيس إلينا، فجمعنا المستورد وقَالَ: أشيروا علي، فقَالَ بعضنا: والله ما خرجنا نريد إلا الله وقد جاءونا فأين نذهب عنهم. وقالت طائفة: بل نعتزل ونتنحى، وندعو الناس.

فقَالَ: يا معشر المسلمين، إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا البقاء، وما أحب أنها لي بحذافيرها، وما أحب إلا التماس الشهادة، وإني قد نظرت فيما استشرتكم به ٨٤/ أفرأيت ألا أقيم لهم حتى يقدمون علي [٤] وهم جامّون، ولكني رأيت أن أسير/ حتى


[١] في الطبري: «يتخضعون» .
[٢] في الطبري: «تمنى لو كنت في بيت أمك» .
[٣] سورة: البقرة، الآية: ٦.
[٤] في الطبري: «حتى يقدموا عليّ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>