للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرك، فرأيت إطلاقك وتحميلك إياها إن حلفت أنك إن سيرتك [١] إليه تؤديها، فحلفت له، فقال: قل للمعتضد يا هذا، لم تخرق هيبتك، وتقتل رجالك، وتطمع أعداءك في نفسك، وتبعث في طلبي الجيوش، وأنا رجل مقيم في فلاة، لا زرع فيها ولا ضرع، وقد رضيت لنفسي بخشونة العيش، والعز بأطراف هذه الرماح، ولا اغتصبتك بلدا، ولا أزلت سلطانك عن عملك، ومع هذا فو الله لو أنفذت إلى جيشك كله ما جاز يظفر بي، لأني رجل نشأت في القشف [٢] ، فاعتدته أنا ورجالي، ولا مشقة علينا فيه، وأنت تنفذ جيوشك من الجيوش والثلج والريحان، فيجيئون من المسافة البعيدة الشاقة، وقد قتلهم السفر قبل قتالنا، وإنما غرضهم أن يبلغوا غرضا من مواقفتنا ساعة، ثم يهربون، وإن هم هزموني بعدت عشرين فرسخا، أو ثلاثين، وجلت في الصحراء شهرا أو شهرين، ثم كبستهم على غرة فقتلتهم، وإن كانوا محتزبين فما يمكنهم أن يطوفوا خلفي في الصحارى، ولا تحملهم الإقامة في/ أماكنهم، فأنت تنفق الأموال، وتكلف الرجال الأخطار، وأنا سليم من ذلك وهيبتك تتخرق في الأطراف، كلما جرى عليك هذا فإن اخترت بعد محاربتي فاستخرت الله، وإن أمسكت فذلك إليك.

ثم سيرني وأنفذ معي عدة إلى الكوفة وسرت منها إلى الحضرة، ودخلت إلى المعتضد، فأخبرته بما قَالَ في خلوة فرأيته يتمعط في جلده غيضا حتى ظننت أنه سيسير إليه بنفسه، وخرجت فما رأيته بعد ذلك ذكره. قَالَ القاضي: كأنه عرف صدق قوله فكف عنه.

أنبأنا محمد بن أبي طاهر قَالَ أنبأنا علي بْن المحسن، عن أبيه قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحسين عَلِيّ بْن هشام قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بن سليمان قَالَ [٣] : حدثني خفيف السمرقندي [٤] حاجب المعتضد قَالَ: كنت واقفا بحضرة المعتضد إذ دخل بدر، وهو يبكي وقد ارتفع الصراخ من دار عبيد الله بن سليمان عند موته، فأعلم المعتضد الخبر،


[١] في ك: «إن سيرت» .
[٢] في ك: «العسف» .
[٣] «أنبأنا علي بْن المحسن. عن أبيه قَالَ: حدثني أَبُو الحسين عَلِيّ بْن هِشَام قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بن سليمان قال» ساقطة من ك.
[٤] في الأصل: «خفيف القيم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>