للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عبيد الله بن سليمان: كنت يوما بحضرة المعتضد وخادم من خدمه بيده المذبة، فبينا هو يذب إذ ضرب بالمذبة قلنسوة المعتضد، فسقطت فكدت أختلط إعظاما للحال، والمعتضد على حاله لم يتغير ولم ينكر شيئا، ثم دعا غلاما فقال له: هذا الغلام قد نعس فزد في عدد خدم المذبة ولا تنكر عليه بفعله، قَالَ عبيد الله: فقبلت الأرض، وقلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا، ولا ظننت أن حلما يسع مثله. ثم دعوت له. فقال: هل يجوز غير هذا؟ أنا أعلم أن هذا البائس [١] لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف، وإنما ينبغي أن يلحق الإنكار بالمتعمد لا بالساهي والغالط.

وذكر مُحَمَّد بن عبد الملك الهمذاني/ أن المعتضد أراد تجهيز جيش، فعجز عن ذلك بيت مال العامة، فأخبر بمجوسي له مال عظيم [٢] ، فاستدعاه يستقرض منه، وَقَالَ: إنا نعيد العوض، فقال: مالي بين يدي أمير المؤمنين، فليأخذ ما يشاء. فقال:

من أين وقعت بنا أننا نرد [العوض؟] [٣] فقال: يا أمير المؤمنين، يأتمنك الله تعالى على عباده وبلاده فتؤدي الأمانة، وتفيض العدل، وتحكم بالحق، وأخافك على جزء من مالي؟ فدمعت عيناه، فقال: انصرف قد وفر الله عز وجل مالك وأغنانا عن القرض منك، ومتى كانت لك حاجة فحجابنا مرفوع عنك، ولم يستقرض منه شيئا.

فلما ولي المعتضد لم يكن في بيت المال إلا قراريط والحضرة مضطربة والأعراب عابثون [٤] فأصلح الأمور، وحمي البيضة، وبالغ في العمارة، وأنصف في المعاملة، وأقتصد في النفقة، فمات وفي بيت المال بضعة عشر ألف ألف دينار.

وخرج يوما فعسكر بباب الشماسية، ونهى [أحدا] [٥] أن يأخذ من بستان أحد شيئا، فأتى بأسود قد أخذ عذقا من بسر، فتأمله فأمر بضرب عنقه، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ويلكم تدرون ما تقول العامة؟ قالوا: لا! قَالَ: يَقُولُونَ مَا فِي الدُّنْيَا أقسى قلبا


[١] في ك: «الناعس» .
[٢] في الأصل: «له حال عظيمة» .
[٣] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٤] في ك: «عائثة» .
[٥] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>